في تفكيك خطاب نصرالله!

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

في تفكيك خطاب نصرالله!

  يدرك الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أنّ خطاباته في المناسبات المجهّزة على قياس حاجاته إلى الإطلالات على جمهوره، ليس إلّا، مثل يوم الجريح ويوم الشهيد ويوم القادة الشهداء، لم تعد تجد من يهتمّ لمواقيتها ومضمونها.وأنّ التهديدات التي يطلقها "في الميدان" تكذّبها أعداد النعوش اليوميّة، والتي تحمل شبّاناً شهداء بعمر الورد، أو مدنيين لا ذنب لهم سوى لهم سوى أنّهم عالقون بين عدوّ لا يميّز بين طفل ومقاتل، وبين بيئة حاضنة تحوّلت إلى ساحة مفتوحة للموت "فدى السيّد أو الإمام الخميني أو المرشد الخامنئي" بعيداً عن "الطريق نحو القدس" التي باتت في معقل رفح الأخير المهدّد بالمجزرة الكبرى..وحتّى يمكن القول أنّ الجالسين في الصفّ الأمامي من المستمعين إليه، وهم ذات الوجوه في كلّ مناسبة، يأتي حضورهم من "باب الفرض" وليس من باب الإصغاء إلى هذا الخطاب أو ذاك!

كما يدرك نصرالله أنّ عموم اللبنانيين لم يعودوا يعيرون كلامه تلك الجدّية المطلوبة، وربّما اهتموا أكثر بكثير بما قاله (أو يقوله) الرئيس سعد الحريري عن الإعتدال السنّي، وعن ضرورة تجنّب الحرب، وعن أولويّة الإهتمام بالمشاكل اللبنانية الداخليّة بعيداً عن البطولات والأوهام والإنتصارات الإلهية.وبالتالي لم يعودوا مدهوشين بتفوّق الحزب أو ببطولات قوّات النخبة والرضوان، أو بصواريخ إيران الذكيّة (فلق 1 وفلق 2)، فالتكنولوجيا الإسرائيلية قد حوّلت كلّ هاتف نقّال أو ثابت إلى "عميل قاتل" يجذب الموت الأكيد إلى كلّ قائد وعنصر، أكان تحت سقف بيت خالٍ أو في سيارة مموّهة، أو في قلب الضاحية الجنوبية، كما في حال القائد الحمساوي صالح العرعار!

لنعد الى الخطابات المكرّرة، وما فيها من نقاط كثيرة قابلة للشكّ وللطعن بمدلولاتها وتطبيقاتها.. يقول السيّد حسن:

-"يجب أن نتمسّك بسلاح المقاومة وقدراتها وحضورها أكثر من أيّ وقت مضى لأنّ هذا ما يجعل العدو يخاف ويرتدع وهذه ميزة المقاومة الشعبية":أين خاف العدوّ، يا سيّد، وأين ارتدع؟ لقد ضرب في قلب الضاحية.وضرب في قلب النبطية.وضرب في كلّ بلدة وقرية في الجنوب..ولم يتردّد في اغتيال القادة والعناصر، وقد لاحق القائد الدبس من مكان إلى مكان حتى الموت دون أن يردعه سلاحك أو وعيدك؟

-"هدفنا جميعاً في محور المقاومة كان وسيبقى هزم العدو في هذه المعركة وعدم تمكينه من تحقيق أيّ من أهدافه التي وضعها..":وماذا عن أهداف محور الممانعة بتحرير القدس والمسجد الأقصى؟ وهل تحوّلت طموحاتكم من الهجوم (عملية طوفان الأقصى) إلى الدفاع في منع إسرائيل من تحقيق أهدافها؟ وهل يسمّى هذا إنتصاراً أو خطوة وخطوتين الى الوراء؟

-"أكثر من 4 أشهر وبوجود عدّة فرق إسرائيلية، ومن يقاتلهم هناك مقاومة شعبية بإمكانيات متواضعة، وهي مقاومة أسطورية وبصمود أسطوري لشعب غزة":صحيح أنّها أسطورية، ولكن ماذا عن الواقع.أين شعب غزّة اليوم، أين مقاتلو حماس والجهاد، أين مدن وبلدات وبيوت ومستشفيات وأبراج غزة؟ أبالأساطير تُحقّق الإنتصارات وتُبنى الأوطان.غزّة وأهلها ومقاتلوها صاروا جميعاً في رفح..ومَن يمنع "المقتلة الأخيرة" هو الضغوط الدولية على مجانين تل أبيب، وليس قادة وصواريخ وأسلحة محوركم!

-"أليس من الذلّ والهوان والضعف أنّ دولاً تحكم مليوني مسلم لا تستطيع إدخال الطعام والدواء لأهل غزّة"؟ الجواب بسيط، يا سيّد:إيران وعواصمها دمشق وصنعاء وبغداد وبيروت، كما تدّعي، أليست مسلمة، فلماذا لا توفّر الطعام والدواء لأهل غزّة..وبالتالي، أليس عجزكم وعجزمحوركم هو الذلّ والهوان والضعف؟

ويختم الأمين العام، وهنا قمّة العهر والنفاق:"هذا السلاح ليس لتغيير وقائع سياسية في لبنان..هذا السلاح لحماية لبنان وشعبه وكلّ اللبنانيين".شكراً لاهتمامكم، ولكن ماذا عن 7 أيّار المجيد، وماذا عن القمصان السود، وماذا عن مقولة "سليمان فرنجية أو الفراغ"..وماذا عن شهداء ثورة الأرز، وماذا عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وماذا عن لقمان سليم..وغيرهم الكثير الكثير؟

لا يكفّ نصرالله عن التناقضات في خطاباته الممجوجة، ولكنّه بات محشوراً بين "الصمت المريب" كما حصل في الشهر الأول من حرب 7 أوكتوبر، وبين "الإسهال" في الخطابات لشدّ العصب في بيئته، لا أكثر ولا أقل، معتمداً على لغة منقرضة، وعلى أساطير وبطولات وتهديدات عاجزة!