عندما يغلي الدم السنّي!

بقلم مراسل نيوز

عندما يغلي الدم السنّي!

مع اقتراب ذكرى 14 شباط "غير المجيدة" يغلي الدم السنّي في لبنان، ويغلي معه دم كلّ شعب 14 آذار الذي رفع شعار "لبنان أوّلاً"، إيذاناً بالخلاص من الإحتلال السوري، بالرغم من تنكّر الزعيم وليد جنبلاط لهذا الشعار ولتلك الثورة التي كادت أن تصنع لبنان الجديد في ظلال شهادة كوكبة من كبار رجالات السياسة والفكر والإعلام، وفي طليعتهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي سقطوا في سلسلة إغتيالات تشارك في التخطيط لها وتنفيذها الثلاثي الإستخباراتي السوري – حزب الله – اللبناني ممثّلاً بالجنرالات الذين أودعوا السجن بوجه حقّ لفترة من الزمن، مهما ادّعى عكس ذلك النائب جميل السيّد وأشباهه من أتباع النظام السوري!

يغلي الدم السنّي تحت ثقل السؤال الذي يتكرّر عند كلّ مناسبة مفصليّة:سعد الحريري يعود..أو لا يعود؟ المتحمّسون، وهم صادقون، يخلطون بين الممكن والتمنّي، فيؤكّدون أنّه حقّاً عائد، داعين محبّي رئيس الحكومة السابق إلى النزول بكثافة الى الضريح وبيت الوسط، ما يمكن أن يحوّل التمنّي إلى حقيقة..ولكن دون ذلك، كما يوضّح القريبون من الرئيس الحريري، عقبات لا تزال قائمة، وأنّ الظروف التي أحاطت بخروجه من الحياة السياسية اللبنانية لا تزال سارية المفعول، وبالتالي أنّ ذكرى الإغتيال، هذه السنة، لن تتعدّى الطابع الشخصي الحزين، أكان بالوقوف على الضريح، أو ببعض الإستقبالات المحسوبة في بيت الوسط!

سعد الحريري لن يعود، في المدى القريب، إلى العمل السياسي، ولو عاد كزائر مرحّب به بحماس وشدّة إلى العاصمة بيروت.بيروت لا تفتقد إليه فقط كشخص، بل تفتقده كقائد لم تجد، بعد، الساحة السنّية من بديل له يملأ الفراغ الذي تركه، بالرغم من مرور سنوات وانتخابات على غيابه..أين تكمن الإشكاليّة؟

الرئيس نجيب ميقاتي صاحب مقولة "حلّوا عنّا" ينأى بنفسه عن الزعامة.فهو يريد أن يتعاطى السياسة (والسياسة بالنسبة له هي البقاء المديد في السراي الكبير، لا أكثر ولا أقل) بأطراف أصابعه، ما يفسّر تخلّيه عن "الهامش الرسمي" بين الدولة والدويلة.لا يريد أن "يوجعه رأسه" بالإختلاف مع حزب الله، فوجد الحلّ بالإلتحاق الكامل، من التسليم له بقرار السلم والحرب، إلى التسليم له بربط قضيّة لبنان بقضيّة الحرب في غزّة.ميقاتي الذي تخلّى عن زعامته لمدينة طرابلس (لم يترشّح الى النيابة، ولم ُيقدم حتى على تغطية أحد من المرشحين)، لا يصلح بالتأكيد لزعامة طائفة مؤثّرة كالطائفة السنّية في لبنان.

الرئيس فؤاد السنيورة (وبدرجة أقلّ الرئيس تمّام سلام)، رغم تمايزهم وقدرتهم على القيادة، لم يتمكّنوا من التحوّل الى زعامات عابرة للوطن.نجاحهم اقتصر على إدارة الدولة بشكل قويّ ولافت، دون أن أن يؤهلهم هذا النجاح الى بروفايل زعيم.

مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان يحاول، قدر المستطاع، أن يملأ بعض الفراغ الحاصل، ولكنّ ذلك لا يكفي.وهناك مسألتان تعيقان محاولاته:أنّ تجربة المفتي الشهيد حسن خالد ليس من السهل تكرارها..وما تمتلكه بكركي، عند المسيحيين، كمركز إستقطاب ديني – سياسي، غير متوفّر في المرجعيّة الدينية عند الطائفة السنّية.

بالطبع، ثمّة تجمّعات وتكتّلات النواب السنّة هنا وهناك (تكتّل الإعتدال الوطني أو تكتّل الوفاق الوطني) ولكنّها لم تنجح في تجاوز النفوذ المحلي، أكان في طرابلس أو في قضاءي المنية الضنية ومحافظة عكار.لا خامة زعيم، ولا "كوب ماء زهر" يمكن أن يبلّل مرورهم في القلمون، كما جاء في مقالة للدكتور خالد جمال (ماء الزهر..) كرمزيّة لزعامة سعد الحريري حين اغتسل به من قبل الأهالي حين زارهم في جولة إنتخابيّة، فيما مضى!

لعلّ الدور الوحيد الموحّد للطائفة السنّية في لبنان حاليّاً هو ما يقوم به السفير السعودي وليد البخاري، ولكنّه يبقى "الوكيل" بانتظار، أمّا عودة "الأصيل" وهو الشيخ سعد الحريري حتّى إشعار آخر، وأمّا تكوّن زعامة جديدة تحتاج، دون شكّ، إلى وقت وجهد وتجارب..وربّما أثمان!