الصبر الفارسي؟
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري
يحار المراقبون السياسيون والإعلاميون في تحديد طبيعة "الصبر الفارسي" الذي تنتهجه إيران منذ سنوات حيال التطوّرات العسكرية في عواصم "مستعمراتها"، على وقع التساؤل الكبير:كيف يمكن لطهران أن تتحمّل كلّ هذه الضربات الإسرائيلية، وخاصّة في سوريّا، والتي قضت آخرها دفعة واحدة على خمسة من كبار مستشاريها العسكريين، وذلك في غارة أصابت منزلاً في محيط السيّدة زينب في العاصمة دمشق؟
لا بل أكثر من ذلك، فهي تسمّي العمليات ضدّ منشآتها النوويّة والبتروليّة في العمق الإيراني بأنّها من صُنع "مخرّبين مجهولين" فيما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنّها من عمل الموساد الإسرائيلي، كما أنّها تقوم على ضبط أذرعها العسكرية بعدما "جنّ" الجيش الأميركي ردّاً على مقتل 3 من جنوده، أو حينما تتمادى إسرائيل في غاراتها واغتيالاتها متخطّية كلّ الخطوط الحمر في لبنان أو غزّة أو سوريا، والتي وصلت الى حدّ اغتيال القائد الحمساوي صالح العرعار في قلب ضاحية بيروت الجنوبية، عقر دار حزب الله الذي هدّد وتوعّد أمينه العام بردّ مزلزل إنتهى بضربات صاروخية بالأسلحة المناسبة التي "أصابت الهدف وأوقعت خسائر مؤكّدة بين قتيل وجريح في صفوف العدو" كما يأتي في بيانات المقاومة الإسلامية اليومية!
وهذا الصبر الإيراني لا يزال يُترجم، رغم هول ما جري ويجري في غزّة، على الشكل التالي:
-في لبنان، لا يزال حزب الله "يعدّ للعشرة" كما يُقال، ربطاً بالزيارات المتتالية لوزير الخارجية الاحتلال الايراني عبد اللهيان الى بيروت، ولم يُقدم على أيّ عمل عسكري نوعي يوازي العربدة الإسرائيلية، باستثناء عمليّة صفد التي يلفّها الغموض، ما استتبعها العدو بضربة موجعة في النبطية أسفرت عن إستشهاد مدنيين، إضافة الى مقتل القائد في الحزب "الدبس" والذي نجا من محاولة اغتيال سابقة!
-في العراق، حضرقائد فيلق القدس اسماعيل قاآني إلى بغداد لمنع عمليات الحشد الشعبي ضدّ القواعد الأميركية، بحجّة أنّ "سفك الدماء الأميركية يخاطر بردّ أميركي عنيف.."، وهو ما تتجنّبه طهران، بالرغم من الإغتيال العلني لأحد أبرز قادة هذا الحشد في قلب العاصمة العراقيّة!
-في غزّة، تكاد تصل حرب 7 أوكتوبر إلى خواتيمها المأساوية في رفح، الملاذ الأخير لأكثر من مليون ونصف المليون نازح فلسطيني، والحصن الأخير المفترض لقيادات ومقاتلي حركتي حماس والجهاد، دون أن تحرّك "الساحة الإيرانية" ساكناً دعماً لهم تحت شعار "وحدة الساحات"، تاركة لإسرائيل كلّ المدى لمجازرها وعنفها غير المسبوق!
-في اليمن، تكتفي طهران بالقول أنّ لأذرعها حرية القرار والفعل، أي أنّها تتنصّل من تبعات تعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر، وتتنصّل ممّا يصيب القوات الحوثية جرّاء الغارات الأميركية البريطانية المشتركة، والتي بدأت تظهر مفاعيلها حيث أنّ القرصنة الحوثيّة قد تقلّصت وتراجعت بشكل واضح!
-في سوريا، رغم أنّ القتال يصيب الإيرانيين مباشرة، وليس وكلاؤهم فقط، فكلّ ما فعلته أنّها أعلنت عن سحب أعداد من المستشارين من جهة، واتّخذت تدابير أمنيّة أكثر احترازاً من جهة..ولكن غابت أيضاً عن المواجهة، وهو ما يُضعف موقعها أمام الروس وأمام النظام السوري نفسه!
ولكن، أمام كلّ هذه التطوّرات والتداعيات، لا بدّ من أن يكون "للصبر الفارسي حدود"، وإلّا فإنّ الإدعاء بالحكمة التاريخية القائمة على "حياكة السجّادة قطبة قطبة" يتحوّل تدريجيّاً الى خسائر موصوفة، تماماً كما الخسائر اليوم على جبهتي غزّة والجنوب، حيث سقط شعار "في الطريق إلى القدس" وانحصرت الحرب في الدفاع عن رفح، وفي التساؤل عن مصير أكثر من مليون ونصف المليون غزّاوي وغزّاوية..كما انحصرت "حرب الإشغال" في الجنوب في تعداد أرقام الشهداء، فيما انتقلت المبادرة من يد الحزب بقوله "وقف الحرب على غزّة أوّلاً"، إلى الموقف الإسرائيلي الذي فكّ الإرتباط بين لبنان وغزّة، داعياً الى حلول مع لبنان بغضّ النظر عن مصير غزّة ورفح..وهكذا دواليك على بقيّة الساحات في سوريا والعراق واليمن!
بين الصبر الرابح والخسائر المتدحرجة "خيط رفيع" قد ينقطع، ما يؤدّي الى تفكّك في وحدة الساحات..وإلى لاعبين رابحين ولاعبين خاسرين!