إيران: دبلوماسية الدولة وحرب الميليشيات – تناقضات استراتيجية في قلب الصراع"

بقلم عبد الحميد عجم

إيران: دبلوماسية الدولة وحرب الميليشيات – تناقضات استراتيجية في قلب الصراع"

في عالم السياسة المعقد، يبرز تباين لافت بين "إيران الدولة" و"إيران الميليشيات". فبينما يتحدث نصر الله بلهجة لبنانية ممزوجة بالفصحى، ويتحدث الحوثي بلهجة صنعانية مزيّنة بالفصحى، يظل السؤال الأهم: ما هو المصدر الحقيقي الذي يستمد منه هؤلاء زخمهم؟

 

بعثة إيران الدائمة لدى الأمم المتحدة تطرح أولوية مفاجئة: "نريد وقف إطلاق نار دائم في غزة". ولكنها تضع نقطة فاصلة واضحة: "ردودنا ضد إسرائيل لا علاقة لها بوقف إطلاق النار". هذا التصريح يكشف التباين الحاد بين الخطاب الدبلوماسي لطهران وممارسات ميليشياتها.

 

تأتي التصريحات الإيرانية في وقت حرج، حيث أصدرت الولايات المتحدة وقطر ومصر بياناً مشتركاً يدعو لاستئناف المحادثات لوقف إطلاق النار في غزة، بينما وافقت إسرائيل على استئناف هذه المفاوضات. ولكن في الوقت الذي تسعى فيه الدول الكبرى لتهدئة الأوضاع، تظل إيران تحرك خيوط اللعبة من خلف الستار.

 

حسن نصر الله، في خطبته التي ألقاها بمناسبة مرور أسبوع على اغتيال رفيقه فؤاد شكر، أكد بوضوح أن "حزب الله" ومن يشاركه المحور (الحوثيون والحشد الشعبي) يعتزمون الحفاظ على تصعيد المواجهة دون أن تلزم إيران نفسها بخوض حرب شاملة مع إسرائيل. فهم يتبنون سياسة الحرب بالوكالة، بينما يحافظون على استقرار النظام الإيراني.

 

الأمر الأكثر إثارة هو أن بعض أنصار إيران من غير الجماعات الشيعية، بل حتى من الجماعات السنية الجهادية مثل القاعدة، يروجون لنفس اللغة، متحدثين عن "عقلانية" النظام الإيراني وحمايته من تهمة "الخيانة". في الوقت الذي تعاني فيه غزة من المجازر الإسرائيلية، تجد هذه الجماعات تشيد بالحسابات الدقيقة التي يتبعها النظام الإيراني.

 

في خضم هذه الصراعات، يصبح من الواضح أن السياسة الإيرانية تتسم بنوع من الذكاء الاستراتيجي؛ فهي تستخدم أدوات متعددة لتحقيق أهدافها، وتبقى بعيدة عن المخاطرة بمصير الدولة والنظام. بينما تستمر الميليشيات في إشعال الصراعات من دون أن تتورط إيران مباشرة، نرى المشهد يتعقد أكثر ويصبح أكثر إثارة للجدل.