"خفّة" ميقاتيّة!

بقلم مراسل نيوز

"خفّة" ميقاتيّة!

لا يكفّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن إدهاش الشعب اللبناني (وربّما السفراء العرب والأجانب) باستسلامه السهل لإملاءات (وفزلكات) رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي حيث يستدرجه تباعاً إلى قرارات غير سويّة وغير مدروسة، ليكتشف لاحقاً أنّه قد وقع في مطبّات "بايخة"، ما يجعله يسارع إلى التراجع عنها بعد أن يكون قد خسر من "مهابته" كشخص وكمسؤول وكرئيس لحكومة كلّ لبنان، فيما يقف برّي متفرّجاً، غاسلاً يديه "من دم هذا الصدّيق"، وعلى وجهه إبتسامة العارف ببواطن ومخاطر الأمور!

في المرّة الأولى، حين دقّت ساعة الدوام الصيفي، وصادفت المناسبة بدء شهر رمضان المبارك، فاستنسب برّي، ونفّذ ميقاتيّ تأخير العمل بالتوقيت الجديد، فكان أن قامت الدنيا طائفيّاً ولم تقعد إلّا بعد أن تراجع رئيس الحكومة عن القرار المتسرّع!

من جديد، يكرّر رئيس الحكومة الخطيئة على مستوى أوسع.برّي قرّر تخصيص موظّفي وزارة المالية المحسوبين على الطائفة الشيعيّة (حوالي 500 موظّف) بمكرمة على شكل قرض (35 مليون دولار) إستحصل عليه من صندوق النقد الدولي، بحجّة تأهيل وتحسين أداء الموظفين، وهي حجّة يستعملها المسؤولون لتشريع التنفيعات والسرقات من المال العام.راقت الفكرة لميقاتي، لكنّه فطن هذه المرّة الى الغلبة الطائفية في المكرمة (600 دولار فريش أسبوعيّاً لكلّ موظّف) حيث أنّ "الماليّة" تعود الى الشيعة، فأضاف إليها نوعاً من "التوازن الطائفي" من خلال شمولها العاملين في السراي الحكومي (أيّ السنّة) والعاملين في القصر الجمهوري (أي المسيحيين)، علّه بذلك يكون قد أضفى الحصانة اللازمة على القرار "الهمايوني" من جهة، ولبّى طلب "الأستاذ" من جهة أخرى..غافلاً عن التداعيات التي يمكن أن يتسبّب بها هذا التمييز لدى باقي القطاعات العاملة في وزارات ودوائر القطاع العام، إضافة الى العاملين في المؤسسات العسكرية، ولدى المتقاعدين الذين خسروا تعويضاتهم وقيمة رواتبهم..فقامت الدنيا من جديد، وأعلن الموظفون تباعاً التوقّف عن العمل رفضاً للتمييز "الفاقع"، وكأنّ العامل في وزارة الإعلام مثلاً، أو في وزارة الإقتصاد أو في مؤسّسة الجيش والأمن الداخلي ليس بمنتج ولا يستحقّ ما أسموه "الحوافز الماليّة" فيما تنحصر هذه الصفة بمن طاب على مزاج وحسابات الرئيسين برّي وميقاتي فقط، ليس إلّا!

هكذا لم يتنبّه الرئيس الثالث إلى "مقلب" الرئيس الثاني، في ظلّ الغياب المستدام للرئيس الأوّل، فوقع فيه من جديد، ليكتشف متأخّراً كالعادة أنّه على خطأ، ما استدعى إتصاله بوزير المال يوسف خليل والطلب إليه بوقف العمل بقرار توزيع الحوافز (الجوائز) على أن تتمّ دراسة الموضوع من جميع جوانبه في جلسة الحكومة المقبلة.ولكنّ قرار وقف التنفيذ إستفزّ المحظيين في وزارة المال فأعلنوا الإضراب عن العمل، ما يعني تعثّر دفع رواتب الموظفين والعسكريين والمتقاعدين مع إقتراب نهاية شهر شباط!

الرئيس ميقاتي الذي ارتكب "الكبائر" في الشأن الوطني (التسليم الرسمي الكامل بمواقف حزب الله من الحرب والسلام ومن ربط الوضع اللبناني بالوضع في غزّة)، ها هو يستكمل "خفّته" بارتكاب "الصغائر" من توقيت الساعة، إلى التمييز المتعمّد بين الموظفين، دون وجه حقّ ودون حدّ أدنى من العدالة، ما أدخل الدولة في غيبوبة هي بغنى عنها في هذه الأوقات العصيبة!

بكثير من "الخفّة" يمارس ميقاتي دوره في رئاسة الحكومة، وكأنّه بلا قرار ولا مستشارين ولا حكمة وبصيرة..ما يجعل "الفيلم اللبناني الطويل" خليطاً غير مستحبّ من الكوميديا السوداء والتراجيديا القاتلة!