الحزب "يرسب" في إمتحان غزّة!

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

الحزب "يرسب" في إمتحان غزّة!

لم يعد لحزب الله ما يفعله "إسناداً أو إشغالاً" لدعم غزّة وأهلها، أو لتوفير الدعم اللازم لحليفيه في القتال، حركتي حماس والجهاد الإسلامي.الأمور خرجت عن إرادته أو رغبته في التأثير بمجريات الحرب ونتائجها، أكان على الصعيد العسكري أو السياسي – التفاوضي أو الإنساني الخاص بالموت جوعاً كما يحصل مع أطفال غزّة التائهين:الحرب وصلت إلى نهاياتها.تدخل إسرائيل إلى المعقل الأخير في رفح أو لا تدخل، تلك مسألة وقت ومحطّ تسويات ومساومات يشارك فيها الجميع، باستثناء الحزب وراعيته إيران.حتّى قيادات حماس ورموزها (السنوار وضيف وغيرهما..) لم يعودوا يملكون من الأوراق التفاوضية الرابحة، سوى أنّهم يختبئون جيّداً عن أعين العدو، وأنّ مقاتليهم لا زالوا يسطّرون بطولات قد يذكرها التاريخ، ولكنّها لا تغيّر شيئاً في أن حماس قد ذهبت بملء إرادتها، أو بإرادة الوعود الإيرانية، الى ما يمكن تسميته "لو كنت أعلم!"!

"وحدة الساحات" انتهت، ليس بقرار صانعيها كما يفترض، وإنّما بفعل المجريات العسكرية في ميدان دول الممانعة، والتي باتت كلّ واحدة منها تفتّش – إعترفت بذلك أو حسبته نصراً مبيناً – عن خلاصها بعيداً عن أيّ تنسيق مع أيّ من الأطراف الشريكة في المصير:"حماس" تسعى إلى هدنة مع العدو في قطر وباريس وواشنطن، وليس في طهران والضاحية..الحشد الشعبي انفصل تلقائيّاً عن الجبهات المشتعلة، والتزم المساكنة القسرية مع القواعد الأميركية المنتشرة ما بين الحدود العراقية والسورية، والتي توهّم، في لحظة غرور، أنّه قادر على هزّها من أماكنها تحت شعار "سحب القوات الأجنبية".ما حدث يعاكس ذلك:لقد سحب صواريخه ومسيّراته من الميدان، بعد الضربة الموجعة – الرسالة التي تلقّاها عبر اغتيال أحد أبرز قادته..الحوثي لا يزال مستمرّاً في المبارزة، بعد أن تحوّل نشاطه من السياسي إلى القرصنة، بفرض رسم عبور على كلّ سفينة تريد أن تجتاز البحر الأحمر بأمان.ولكنّ هذه "البلطجة" لن تستمرّ طويلاً.فاللعب مع مصالح الكبار سيجعله "طريدة سهلة"، وما غارات الأمس المكثّفة على صنعاء إلّا بداية النهاية لهذه الساحة!

تبقى ساحة حزب الله التي يريد أن يدوزنها على توقيت ساحة غزّة.لكنّ العدوّ الإسرائيلي له حسابات أخرى، خاصة بعد تظهير قوّته وتفوّقه في الميدان (بالأذن من عنتريّات الأمين العام الخطابية)، وقد طاولت في آخر ضربة له، الحدود اللبنانية – السورية حيث استهدفت مسيّرة شاحنة، كانت نتيجتها شهيدان جديدان للحزب (حسين علي الديراني من بلدة قصرنبا وأحمد محمد العفّي من بلدة بريتال) على طريق القصير، وليس "على طريق القدس".حتى شعار الشهداء لم يعد ملائماً لجغرافية الموت التي باتت تنشرها إسرائيل من الضاحية الجنوبية، الى القصير والعمق السوري، إلى النبطية والغازية وكلّ أماكن تواجد الحزب في ما يسمّيه "البيئة الحاضنة".إسرائيل قطعت حبل الصرّة بين الساحتين اللبنانية والفلسطينية، وباتت كلّ ساحة منهما في "حالة دفاع" وليس في حالة مساندة أو إشغال أو أيّ شكل من أشكال الإرتباط العسكري، وبالتالي السياسي التفاوضي.لقد دخلت الساحة اللبنانية في حربها الخاصة، وفي شروط هدنتها الخاصة، وفي حساباتها الخاصة.لم يعد الطريق الموعود يودي الى القدس، بل في أحسن الأحوال الى مدى تطبيق القرار الدولي 1701، وبات على السيّد نصرالله (المتعلّق مجدّداً بالشعارات والميديا واللوغوات) أن يبدّل في شعار "زفّ الشهداء وارتقائهم"، فهم إنّما يرتقون بعيداً وبعيداً جدّاً عن القدس وغزّة وفلسطين ووحدة الساحات، ويستشهدون في حرب بدأها الحزب، ولكنّه لم يعد يملك مفاتيح خواتيمها!

لقد "رسب" الحزب في حرب غزّة، مع التمنّي في ألّا يجرّنا إلى رسوب أشدّ إيلاماً في حرب لبنانية طاحنة، نخرج منها كما خرجنا في حرب 2006 بعبارة "لو كنت أعلم" في ظلّ متغيّرات جذرية في الواقع الداخلي والعربي والدولي، وهي متغيّرات لا تشفع له ولنا بأيّ نوع من أنواع الندم!

قد يخرج "السنوار وضيف" بطلين أسطوريين ولو فوق "جثّة" غزّة، ولكنّ نصرالله لن يحظى بهذا الشرف عندما يكون الثمن "جثّة" لبنان!