"الإعتدال الوطني" يسقط مرّتين!
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري
ليس سهلاً على المبتدئين في السياسة أن يصنعوا "مبادرات كبيرة" خاصة إذا ما كانوا رماديّين، أو إذا ما كانوا يتوهّمون أنّهم "بيضة القبّان" في لعبة معقّدة متشابكة مثل ملء الفراغ الرئاسي في لبنان، حيث يتقاطع المحلي بالإقليمي بالدولي، وحيث بات لكلّ فريق شروطه التي تبدأ بالمرشّح "السيادي الإصلاحي"، ولا تنتهي بالمرشّح الذي "يحمي ظهر المقاومة"!
"تكتّل الإعتدال الوطني" قد جرّب حظّه مرّتين في محاولة اللعب مع الكبار، ولكنّه قد سقط في المرّتين، علّ ذلك يكون دافعاً له للخروج من الموقع الرمادي إلى حيث يجب أن يكون في قلب المعارضة السياسية التي تخوض (على تعثّرها وتناقضاتها) معركة مصير البلد ومستقبله، في مواجهة شروط الثنائي الشيعي الداخلية من جهة، وارتباطات حزب الله الإقليمية من جهة أخرى.
في البدء، حمل نوّاب التكتّل قضية مطار رينه معوّض في القليعات، حيث اعتبروا أنّها (وهم على حقّ في ذلك) ترفع الحرمان المزمن عن محافظة عكار، وتضع حدّاً للفيتوات السورية التي سبق لها أن منعت على الرئيس الشهيد الراحل رفيق الحريري أن يمدّ يده إنمائيّاً إلى الشمال عموماً، وإلى مناطق السنّة خصوصاً في المنية والضنيّة وعكار.النوّاب الستّة حملوا مبادرتهم وداروا فيها على الكتل السياسية المختلفة، بدءً من رئيس المجلس نبيه برّي الذي درجت العادة أن يبيعهم "سمكاً في بحره"، مروراً بكلّ الكتل النيابية التي رحّبت بالفكرة لأنّها خطوة إنمائية كبيرة توفّر آلاف فرص العمل، وتؤدّي إلى نقلة إجتماعية – إقتصادية عميقة في عكار والشمال وكلّ لبنان..ولكنّ تحرّكهم لم يكن "ختامه مسك" كما يقال، عند التقائهم بكتلة الوفاء للمقاومة، حيث سمعوا من رئيسها النائب محمد رعد رفضاً مبرماً، غير قابل للإستئناف أو التمييز، بقوله لهم :"مش وقتها هلّأ..".وانتهى اللقاء، كما انتهت المبادرة دون أن يجرؤ أيّ نائب من التكتّل أن يفصح عمّن أفشل مبادرتهم، لحسابات سياسية وأمنيّة، حيث يصرّ الحزب على الإمساك بالدخول والخروج من وإلى مطار بيروت، وهو أمر لا يستطيع أن يقوم به في مطار ثانٍ أو ثالث كالقليعات وحامات!
من جديد، مبادرة ثانية تصطدم بالجدار نفسه، وهي محاولة خلق أجواء إيجابية تساعد على الجمع بين الحوار والجلسات الإنتخابية المفتوحة، ما يصل بالبرلمان إلى إنتخاب رئيس جديد توافقي للبلد.لم يتعلّموا الدرس من السقوط الأوّل فأعادوا السيناريو ذاته:كلام معسول من الرئيس برّي، موافقات بالجملة من كتل المعارضة، إعتراض وامتعاض من كتلة المردة..وختامها لقاء فاشل مع الوفاء للمقاومة التي أعادتهم إلى المربّع الأول "سليمان فرنجيّة أو لا أحد".وهو ما كشف عنه رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع بقوله "إنّ كتلة الوفاء للمقاومة قد بقّت البحصة مرّة لكلّ المرّات.مرشّحنا الأول والأخير والنهائي هو رئيس تيار المردة ولا مجال لأيّ بحث آخر. وهكذا أسقط محور الممانعة محاولة تكتل الاعتدال الوطني ومحاولاتنا جميعاً لإنهاء الشغور الرئاسي.مع كلّ مبادرة رئاسية جديدة يسقط القناع ويتأكّد بالدليل الحسّي والملموس ما تعلنه المعارضة تباعاً وتكراراً بأنّ محور الممانعة لا يريد حواراُ ولا من يحزنون، بل كلّ ما يبتغيه بالدعوات المتكرّرة للحوارهو محاولة تفريق صفوف الذين لا يريدون مرشّحه، من خلال السعي لإقناع البعض، ببعض المكتسبات مقابل تأييد مرشحه الوزير السابق سليمان فرنجية..".
كتلة الوفاء للمقاومة "بقّت البحصة"، كذلك فعل الدكتور سمير جعجع..فهل يُقدم أحد النوّاب وليد البعريني، محمد سليمان، سجيع عطيّة، أحمد الرستم، أحمد الخير وعبد العزيز الصمد على "بقّ البحصة" في مّن عرقل مشروع مطار القليعات، ومَن أجهض مبادرتهم الرئاسية، أم يكتفون بالدوران في الحلقة الرماديّة المفرغة؟