نزفّ ونهنّئ ونبارك..ونرتقي!

بقلم عبد الحميد عجم

نزفّ ونهنّئ ونبارك..ونرتقي!

ماذا يعني أن "نزفّ" شهيداً إلى أهله، وهو من مواليد 1995 أو 96 أو 2001، فيما كان ينتظر أبوه وأمّه أن يرقصا، ولو قليلاً، في حفل زفافه المنتظر؟

ماذا يعني أن "يرتقي" شهداء، الوالد جعفر علي مرجي (رضوان) مع ولديه علي جعفر مرجي (أبو جعفر) وحسين جعفر مرجي (باقر)، وهم ينزحون من بليدا إلى خربة سلم، في الطريق الى القدس، على يد الطيران الإسرائيلي الذي لا يميّز بين مقاتلين ومدنيين، حيث استشهد معهم أطفال ونساء وأقارب؟

ماذا يعني أن "تهنّئ" الجماعة الأسلامية باغتيال ثلاثة من قادتها في منطقة العرقوب – كما جاء في البيان الصادر عن قوّات الفجر، الجناح العسكري – وهم الطالب سنة ثالثة في كليّة الطبّ في الجامعة العربية محمد رياض محي الدين، وحسين هلال درويش من شحيم، ومحمد جمال ابراهيم من الهبّارية؟

ماذا يعني كلّ هذا "التبريك" بالموت في حرب فقدت بوصلتها:فلا هي توصل إلى القدس كما جاء في الوعود الإلهيّة على مدى سنوات من خطابات الممانعة، ولا هي بالكافية للإسناد والإشغال عن حرب غزّة كما جاء في عناوين انطلاقها في الثامن من أوكتوبر على لسان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، ولا هي بالقادرة على حماية الجنوب وأهل الجنوب، فالبيوت فوق رؤوسهم تتهدّم، ولا حماية سماء وأرض لبنان، فالطائرات تزيّح الفضاء على علوّ منخفض ومرتفع، والإغتيالات شغّالة دون توقّف من قلب الضاحية إلى النبطيّة وجوار صيدا، وحدود القصير – سوريّا، وصولاً إلى مدينة بعلبك!

ومن حزب الله إلى الجماعة الإسلاميّة، نسأل:لماذا نزجّ شباب الوطن في أتون حرب، أقصى ما يمكن أن توصل إليه في لبنان هو تطبيق القرار الدولي 1701، وفي غزّة بات طموح الفلسطينيين العودة الى ما كان عليه الوضع قبل عمليّة "طوفان الأقصى" في 7 أوكتوبر، أي بقاء "حماس" في حكم القطاع، وتأمين المسكن والمأكل والعمل لملايين النازحين الى رفح، وربّما ما بعد بعد رفح؟

وإذا كان الحزب يخوض معاركه ربطاً بموقف عقائدي – سياسي يرتبط بمصاح الدولة الإيرانية، راعية الأذرع العسكرية في كلّ من سوريا والعراق واليمن والبحر الأحمر، فما هو التفسير السياسي – العقائدي لمشاركة الجماعة الإسلاميّة في لبنان؟ وهل كان لها أن تطلق صاروخاً واحداً من الجنوب دون موافقة مسبقة من المقاومة الإسلامية، فأيّ مصلحة لها في خوض قتال لا دور لها في بدئه، ولا دور في نهايته، ولا يمكن لها أن تحقّق من الغرق فيه أيّة مكاسب سياسيّة (أو عسكرية) سوى الإكتفاء بتعداد الشهداء من جهة، وبتأمين شيء من الغطاء السنّي لتورّط الحزب في معركة لن يستفيد منها لبنان بشيء من جهة أخرى!

إنّ المصطلحات المجمّلة (إرتقى ونزفّ وتبريك..ومؤخراً التهنئة، كما جاء في بيان نعي قوّات الفجر..) لن تغيّر في واقع أسود يتمثّل في رمي شباب بعمر الورود وسط "حروب عبثيّة" لن تقضي على الكيان الصهيوني، ولا تصبّ في مصالح الأمّة العربية أو الإسلامية..كنّا ولا نزال نخوض حروب الآخرين على أرضنا:أما حان الوقت لكي نحتكم الى العقل، لا إلى الحسابات الخارجية والإنجرافات الدينية التي لم تعد صالحة في القرن 21 لبناء دولة الإنسان، دولة الحريّة والديمقراطية..دولة يموت فيها المواطن بشكل طبيعيّ، ويبكيه أهله بدموع حقيقية بعيداً عن كاميرات (فدى السيّد، وفدى القضيّة..)، يبكونه بلا ارتقاء ولا زفّة ولا تهنئة ولا تبريك!

نريد أن نموت على فراشنا، يا سماحة السيّد.نريد أن نلفظ أنفاسنا الأخيرة، وسط الأهل والأحبّة، بعيداً عن الشعارات الفارغة التي أسقطت أوطاناً بكاملها وعواصم بعظمتها، من بيروت إلى دمشق وبغداد وصنعاء وغزّة!