لا تظلموه!
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري
حسناً فعل رئيس تيّار المردة سليمان فرنجيّة باعتذاره عن المشاركة في لقاءات القوى المسيحيّة في بكركي.فماذا يمكن له أن يفعل بحضور القوّتين المسيحيتين الضاربتين (القوات اللبنانيّة والتيّار الوطني الحر)، إضافة إلى حزب الكتائب، وهي قوى – كما قال تماماً نجله النائب طوني فرنجية – لا تلتقي وتتوحّد إلّا ضدّ ترشيحه لرئاسة الجمهورية، فيما تختلف عمليّاً في جميع القضايا الأخرى؟
يدرك فرنجيّة جيّداً أنّ رياح بكركي تهبّ في هذه المرحلة من تاريخ لبنان بالإتّجاه المعاكس تماماً لتوجّهاته السياسية ولتوجّهات محوره الممانع.ولا ينفع في هذه العاصفة القويّة حديثه التقليدي عن "الوفاء والخطّ والعلاقات التاريخيّة بين جدّه وبيت الأسد الأب والإبن"، فكلّ هذه العناوين يمكن أن تُستخدم ضدّه وليس معه في ظلّ الشعور المسيحي الجارف بأنّ "حقوقهم ووظائفهم ومواقعهم" باتت مهضومة ومهدّدة بالخطر، وخاصة من قبل "الثنائي الشيعي" الذي ارتكب "الخطيئة الأصليّة" (كما يُقال في السرد المسيحي التاريخي) عندما سارع – في لحظة شعور بالقوّة والغلبة - كلّ من رئيس المجلس نبيه برّي وكتلة الوفاء للمقاومة إلى تبنّي ترشيح فرنجيّة كرئيس "حامٍ لظهر المقاومة"، وهذا بالضبط ما باتت تشكو منه بكركي، وبات يشكو منه المجتمعون تحت سقفها، وما بات يحفل به الوجدان المسيحي الذي دفع باسيل إلى التخلّي التدريجي عن "وثيقة مار مخايل" التي أنجبت ميشال عون رئيساً، وقد باتت عاجزة عن تثبيت خليفته المفترض في هذا الموقع!
يعرف فرنجيّة أنّ حضوره في بكركي سيتحوّل، في أحسن الأحوال، إلى شاهد زور بحقّ حزب الله، وهو ما يتجنّبه حتّى لا يخسر الدنيا والآخرة، كما يُقال.فهو لن يستطيع أن ينتزع أيّ مشروعيّة في جلسات النقاش أو في بنود الوثيقة التي يمكن أن تختتم بها هذه اللقاءات، وبالمقابل يكون قد عرّض "وفاءه" لنوع من التشكيك.إنّه كمن يسير على حبل مشدود:إيّة دعسة ناقصة يمكن أن تودي بحظّه الأخير في الوصول إلى بعبدا..وكان لمشاركته في الإجتماعات أن تتسبّب له بهذه "الدعسة":أفضل له ألف مرّة أن يُقال أنّه خرج على الإجماع المسيحي، ولا أن يُقال أنّه لم يعد "الرئيس الحامي" لمنظومة طهران – دمشق – حزب الله.لقد اختار أهون الشرّين، خاصّة وأنّ ميزان القوى المسيحية ليس (ولن يكون) لصالح ترشيحه، كما أنّ المزاج المسيحي العام هو في حالة إنشداد إلى التطرّف في المواقف، وليس أقدر من القوات ومن التيار والكتائب على الإستفادة من هذا التوتّر العالي.هو يستطيع أن يعبر إلى قصر بعبدا في لحظة "طوفان الأقصى المنتصر" وليس في لحظة "طوفان المزاج المسيحي الخائف المضاد".
حسناً فعل فرنجيّة في الغياب عن "وثيقة بكركي".رئاسته في مكان مغاير تماماً:بين عين التينة وحارة حريك، وليس بين معراب والرابية وبيت الكتائب.فهو قد خرج من الإنتخابات النيابية الأخيرة منهكاً، مقتصراً في زعامته التقليدية على نائب واحد (نجله طوني فرنجية)، خاسراً إمتداداته التاريخيّة في الكورة والبترون، ما يجعله غير قادر على لبوس الغطاء المسيحي، ويجعله بالتالي أسير الغطاء الشيعي فقط لا غير، حيث أنّ حليفه السنّي المفترض الرئيس السابق سعد الحريري قد بات خارج المعادلة السياسية والإنتخابية حتّى إشعار آخر!
أمام كلّ هذه المعطيات والوقائع، لا يستطيع المرشّح سليمان فرنجيّة إلّا أن يغيب عن الإجماع المسيحي، مسلّماً أمره (ورئاسته) إلى الإجماع الشيعي، ليس إلّا:فلا تظلموه!