البحر الأحمر !
بقلم مراسل نيوز
رغم حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل بحقّ شعب غزّة في محاولة منها لإزالة حكم حماس ولتوفير الأمن والأمان لمستوطناتها، والتي أشارت إليها محكمة العدل الدوليّة في قرار يدين إسرائيل بارتكاب الجريمة دون إن يصل بها الأمر للدعوة إلى الوقف الفوري للنار، وبالرغم من "ليالي الجنون والنار" في الجنوب اللبناني، كما جاء في التوصيف لليلة الأخيرة التي سقط فيها 4 شهداء جدد للحزب، فيما أمطرت فيها المقاومة الإسلامية أصبع الجليل بالأسلحة الإيرانيّة المطوّرة، وبالرغم من الضربات الصاروخيّة والمسيّرات المفخّخة من قبل الحشد الشعبي في العراق، ومن قبل الأذرع الإيرانية في سوريّا من فاطميين وزينبيين، فالأنظار، كلّ الأنظار العربية والدولية، تتّجه إلى "البحر الأحمر":هنا الواقعة الكبرى.وهنا تتقاطع المصالح العالمية.وهنا يحدث المساس باقتصاد العالم، من الصين الشعبية إلى مصر العربية، مروراً بكندا وأوستراليا وأوروبا.هنا تخوض أميركا (ومعها بريطانيا) معركة تحديد الخسائر والأرباح مع طهران، وهنا تدور المفاوضات الفعليّة بالنار الموجّهة والسفن العابرة حول الخارطة الجديدة للمنطقة، أو حول الحصص لكلّ فريق من الفرقاء!
يمكن القول بداية، أنّ الإدارة الأميركية قد أخطأت في حساباتها حين حشدت مدمّراتها وأساطيلها في البحر المتوسّط، إنطلاقاً من الإعتبار بأنّ المعركة الفصل ستدور مع حزب الله في لبنان، فيما كانت إيران تعدّ لهذه المنازلة في مكان آخر، على يد الحوثيّين في البحر الأحمر:لقد حقّقت طهران نقطة تقدّم في الإستراتيجيا على حسابات واشنطن، حيث فاجأتها في "مكان" المعركة، ما أربكها حتّى الساعة، بالرغم من التجميع للدول المشاركة في الحرب معها، وبالرغم من الموقف الصيني الذي دعا إيران مباشرة إلى "ضبط الأوضاع" في هذا الممرّ التجاري كونها المتضرّر الأكبر في الخطّ الرابط بين الغرب والشرق..وأيضاً، فاجأت إيران إدارة بايدن بأمر آخر:توهّمت أميركا أنّ ضربة صاروخية واحدة من أساطيلها وأساطيل بريطانيا العظمى كافية لردع القرصنة الحوثيّة..فما الذي حصل؟ تمادى الحوثيّون (ومن خلفهم الحرس الثوري بشكل علني) في قبول التحدّي من خلال تصعيد الضربات ضدّ السفن العابرة، وخاصة الأميركية والبريطانية، وفي عمق البحر لا تزال تشتعل سفينة إنكليزية محمّلة بالنفط على مرأى البوارج وعلى مرأى العالم!
حتى الساعة يمكن القول أنّ إيران متفوّقة في حرب "البحر الأحمر" على أعظم قوّتين في العالم.والحوثيّون لا يزالون أسياد هذا الشريان التجاري، حيث أخذت معظم شركات النقل الدولية تختار طرقاً أخرى لنقل بضائعها، ما يرفع سعر الكلفة، وما يجعل أميركا عاجزة عن توفير الحماية اللازمة كدولة يفترض أنّها "شرطيّ العالم" برّاً وبحراً وجوّاً!
وبالتالي، لا بدّ من الأسئلة الكبيرة:هل حقّاً أميركا عاجزة عن ردع القرصنة الحوثيّة، أم أنّ تردّدها غير المفهوم يعود إلى عدم رغبتها في "لوي ذراع" إيران بالنظر الى سعيها الدائم لترك القنوات الدبلوماسية مفتوحة معها بالرغم من كلّ التناقضات والإختلافات؟وهل طهران تدرك "نقطة الضعف" الأميركية هذه ما يسمح لها بهامش واسع من الحركة والتحدّي..أم هناك أمور أخرى تدفع طهران الى خوض غمار المغامرة؟
لقد باتت تدرك طهران أنّ غزّة قد خرجت على سيطرتها.وأنّ "اليوم التالي" تجري مباحثاته مع مصر والأردن وقطر ودول الخليج.كما هي تدرك أنّ الحرب من لبنان ستجعل الطائفة الشيعيّة تدفع ثمناً باهظاً لا طاقة لها (أو لا تريد) على تحمّله، عدا عن أنّ النتائج سترتدّ على قدرات الحزب العسكرية، وعلى نفوذه السياسي شبه المطلق في لبنان..لذا كان لا بدّ من فتح جبهة مشاغلة جديدة، وهي قد أعدّت منذ زمن قاسم سليماني الحالة الحوثية لهذا الدور، كون اليمن منطقة عصيّة، وكون البحر الأحمر منطقة حسّاسة:فهل تكسب إيران مع الحوثيين، ما قد خسرته في دمار غزّة وفي الإستنزاف الحاصل في الجنوب؟