في الثلّاجة!

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

في الثلّاجة!

لولا حماوة الجنوب، والتي باتت تُطبخ في الأروقة الخلفيّة للقوى الدوليّة والإقليميّة المؤثّرة، لكان يمكن تصنيف الوضع بثلاث كلمات:وطن في الثلّاجة..في تعبير بليغ عن الإنتظار اللبناني الطويل لنشوء "الدولة"، وذلك منذ حصوله على الإستقلال عن فرنسا، والذي يندم الكثيرون على نيله، بالرغم من الواقع الهشّ لسياسة "الأمّ الحنون" التي باتت تحتاج إلى مَن يرعاها في ظلّ قيادات لا تشبه الجنرال شارل ديغول أو فرانسوا ميتران أو جاك شيراك!

في آخر وجود رسمي للدولة، كان مشهد التسلّم والتسليم مع الدويلة في كلّ ما يخصّ القضايا الإستراتيجية، مثل قرار السلم والحرب، ومثل قرار وحدة الساحات مع ما يدور في غزّة وخان يونس ورفح، ومثل مدى تطبيق القرار الدولي 1701 المتعلّق بما يشبه الهدنة المفتوحة بين لبنان وإسرائيل..

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومعه وزير الخارجيّة عبدالله بو حبيب ممثّلا رئيس التيّار الوطني الحر جبران باسيل الذي يرفع المطالبة بحقوق المسيحيين فيما هو يفرّط بحقوق اللبنانيين من خلال مواقف وزيره بو حبيب، إضافة إلى باقي الوزراء الذين يديرون مصالحهم الخاصة ومصالح الجهات التي ينتمون إليها في السياسة، قد دخلوا جميعاً في سبات عميق يفيقون منه، من وقت لآخر، حسب الحاجات الملحّة التي لا تحتمل التأجيل، أو حسب ما يُطلب منهم كخدمات لقاء إستمرارهم في السلطة الحاليّة، أو لقاء وعودهم بالسلطة القادمة!

بين ليلة وضحاها، إستفاق الرئيس نجيب ميقاتي على قضيّة النازحين من الجنوب، جرّاء حرب الإسناد والإشغال التي قرّرها الأمين العام حسن نصرالله في الثامن من أوكتوبر الماضي، حيث بدأ القلق يساور الجنوبيين عن مصير بيوتهم وأرزاقهم فيما لو استمرّت الحرب المحدودة أو توسّعت لتشمل مزيداً من المناطق، وبالتالي مزيداً من الضحايا والمنازل المهدّمة والأراضي الزراعيّة المحروقة بالمواد الفوسفوريّة التي يستعملها الجيش الإسرائيلي:مَن يعوّض علينا؟ وإذا كان في حرب تمّوز 2006 هناك الخليج و"شكراً قطر".فالوضع اليوم مختلف تماماً:الخليجيّون في مكان..والمقاومة الإسلاميّة في مكان آخر.بمعنى ليس هناك من يدفع أو يعوّض.من هنا، خرجت تسريبة التعويض وفق آليّة 2006، أي 20 ألف دولار لأهل كلّ ضحيّة، و40 ألف دولار لصاحب كلّ منزل مهدّم.

ولكنّ الرئيس ميقاتي لم يتحمّل وزر هذه التسريبة، حيث ارتفعت أصوات المعارضة تقول:مَن اتّخذ قرار الحرب منفرداً، فليتحمّل وزر وأعباء كلفة هذه الحرب..ومن جهة أخرى، إرتفع صوت المودعين:لن نقبل أن يُدفع ما تبقّى لنا من أموال في المصرف المركزي لصالح حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، بالرغم من التعاطف الإساني أو الوطني مع المتضرّرين، وقد باتوا بالآلاف، والحبل على جرّار التصعيد المتزايد في الخطاب الدائر بين الأطراف المتقاتلة..فماذا فعل رئيس الحكومة؟

سارع إلى نفي ما تردّد عن إقرار التعويضات للمتضرّرين، مكتفياً بالقول أنّ الدولة غير قادرة على إحصاء حجم الأضرار، كما أنّها بالكاد تلبّي الإحتياجات الآنيّة للنازحين، والذين قد بلغ عددهم حوالي المئة ألف مواطن..ميقاتي نفض يديه، ولكن إلى متى؟ وهل يستطيع أن يمنع حزب الله من فرض إرادته على حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري بكسر قرار "عدم المساس باحتياط المصرف"؟ وهل يستطيع أن يدير ظهره لأزمة آلاف النازحين والمتضرّرين، حيث يحوّلهم الحزب، حين يشاء، إلى قوّة ضاغطة على السلطة القائمة؟

رئاسة البلد في "ثلّاجة" الدول الخمس زائد إيران. الوضع المالي المتدهور في "ثلّاجة" شروط البنك الدولي ونأي دول الخليج عن النار اللبنانية.شؤون الناس وهمومهم في "ثلّاجة" التعقيدات السياسية الداخلية، وفي وحدة الساحات، وفي الصراعات الدولية التي لا تقيم وزناً للدول الصغيرة مثل لبنان..فمن أين تأتي الحلول؟

لا حلول، وما علينا سوى التأقلم مع العيش في "ثلّاجة" الإنتظار، إلى أن تنقشع السموات فوق الأبوات..وكلّ "ثلّاجة" ونحن وأنتم في خير!