نهاية الإسلام السياسي المدعوم من إيران: التحولات الكبرى وسقوط سياسات التغاضي الأمريكية

بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم

نهاية الإسلام السياسي المدعوم من إيران: التحولات الكبرى وسقوط سياسات التغاضي الأمريكية

في مشهد يبدو أقرب إلى إعادة صياغة مستقبل الشرق الأوسط، يبرز تراجع الإسلام السياسي المدعوم من إيران كأحد أكثر التحولات الجذرية تأثيرًا. لعقود، شكلت القوى الإسلامية المدعومة من طهران—وعلى رأسها حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا واليمن—أدوات فعالة في توسيع نفوذ إيران الإقليمي، بينما تغاضت الولايات المتحدة عمدًا عن هذا التمدد، متبعة استراتيجية دقيقة لتحقيق توازنات معينة تخدم مصالحها.

 

لكن التحولات الأخيرة في السياسة الأمريكية والدولية، بجانب الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تواجهها إيران، أوجدت واقعًا جديدًا. التغاضي الأمريكي الذي سمح لإيران بلعب دور رئيسي في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، بدأ بالانحسار، ليُفسح المجال لتوجهات جديدة تقيّد نفوذ طهران وتُضعف أذرعها في المنطقة.

 

 

 في لبنان:

شكل حزب الله، منذ تأسيسه، محور النفوذ الإيراني في لبنان، متجاوزًا كونه فصيلًا سياسيًا إلى قوة عسكرية مستقلة قادرة على التأثير في القرار الوطني. غير أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بلبنان، والانتقادات المتزايدة لدوره العسكري وتورطه في صراعات إقليمية خارج الحدود، أضعفت مكانته، وأظهرت مدى ارتباط الأزمات المحلية بالسياسات الإقليمية التي يدعمها.

 

امّا في العراق وسوريا واليمن: الميليشيات الشيعية تحت ضغوط غير مسبوقة

كانت الميليشيات الشيعية بمثابة الذراع الأطول لإيران في منطقة الشرق الأوسط، حيث لعبت دورًا حيويًا في بسط السيطرة الإيرانية وتحقيق مصالحها السياسية والعسكرية. إلا أن هذه الميليشيات، مثل "الحشد الشعبي" في العراق و"الحوثيين" في اليمن، تواجه اليوم تحديات كبرى نتيجة ضعف الدعم الإيراني، وتصاعد المعارضة المحلية والدولية التي ترفض تدخلاتها وتحملها مسؤولية زعزعة الاستقرار.

 

 

الانحسار الذي يشهده الإسلام السياسي المدعوم من إيران ليس مجرد نتيجة لضغوط دولية، بل يعكس عوامل أعمق. أبرزها:

 

التغير في الاستراتيجية الأمريكية: مع تغيّر الأولويات الأمريكية في المنطقة، لم يعد التغاضي عن التمدد الإيراني خيارًا. فالولايات المتحدة تدفع نحو دعم التحالفات الجديدة التي تضم الدول العربية وإسرائيل، مما يخلق توازنات جديدة تحجم دور إيران.

 

الأزمات الاقتصادية الإيرانية: تواجه إيران اليوم واحدة من أصعب أزماتها الاقتصادية، التي تعيقها عن توفير الدعم المالي والعسكري لحلفائها، وتزيد من تذمر شعوبها بسبب تدهور الأوضاع المعيشية.

 

تحول المزاج الشعبي: على مستوى الدول التي تتواجد فيها هذه الميليشيات، تزايدت الانتقادات الشعبية والتوجهات الوطنية التي ترفض هيمنة القوى المدعومة من الخارج وتطالب بسياسات محلية مستقلة.

 

يبدو أن نهاية التغاضي الأمريكي عن الإسلام السياسي المدعوم من إيران تمثل بداية مرحلة جديدة، حيث تتلاشى أدوات النفوذ الإيراني تدريجيًا، مما يعيد تشكيل الخارطة السياسية للشرق الأوسط. هذا الانحسار قد يفتح المجال أمام استقرار محتمل، ويتيح الفرصة لبروز قوى جديدة تعمل على بناء شراكات إقليمية تقوم على المصالح المشتركة بعيدًا عن محاور الصراع التقليدية.

 

في النهاية، تتسارع خطوات التحول، وتتجه المنطقة نحو مرحلة ما بعد الإسلام السياسي المدعوم إيرانيًا، ليبقى السؤال: هل سيؤدي هذا التحول إلى استقرار طويل الأمد، أم أن المنطقة ستظل أسيرة صراعات جديدة؟