تحت الأرض وفوق الأرض!
بقلم مراسل نيوز
تقول المعلومات المتداولة حول شمال قطاع غزّة وجنوبه أنّ الوضع "تحت الأرض" ممسوك ومتماسك:الناطق الإعلامي "أبو عبيدة" في خير، وكذلك أحوال السنوار ومحمد ضيف وباقي القيادات الحمساويّة التي أعدّت ونفّذت، دون علم طهران وحزب الله وباقي أطراف الممانعة، عملية "طوفان الأقصى" التي هزّت عن جدارة الكيان الصهيوني وجيشه الذي لا يُقهر.مقاتلو القسّام والجهاد يخرجون من أنفاقهم، يوجّهون ضربات قاصمة لدبابات وجنود العدو الإسرائيلي، ويعودون الى قواعدهم سالمين.الطعام متوفّر والذخيرة مؤمّنة، وثمّة من يحكي عن إنارة 24 على 24، ما يجعل القوات الفلسطينية المقاتلة قادرة على الصمود والتصدّي الى أن ينهزم العدوان وتنسحب فرق الجيش الغازية..ويستقبل القياديّان أسامه حمدان وأحمد عبد الهادي الإعلامي مرسال غانم في قلب غزّة، في وقت قريب جدّاً لا يتجاوز الأسابيع الثلاثة، كما جاء على لسان هذين المسؤولين خلال استضافتهما في برنامج "صار الوقت" على محطّة أم تي في التلفزيونيّة.الوضع مطمئن، والنصر قريب ومحسوم!
..ولكن ماذا عن أحوال النساء والرجال والأطفال "فوق الأرض"؟
لا تبدو الصورة ورديّة بما يتلاءم مع أحوال مَن هم "تحت الأرض".عدد الشهداء والمفقودين قد تجاوز دون شكّ العشرين ألف، مع مؤشّرات بارتفاع العدد دون سقف، ودون أن ترفّ جفون العالم الذي يتفرّج بعيون من زجاج على مجزرة العام 2023.وعلى عكس ما يشاع أنّ الأوضاع في خير، فلا ماء ولا غذاء ولا كهرباء ولا دواء، كما يصرخ الهاربون من الشمال الى الجنوب، ومن الجنوب الى حدود رفح.بالأمس كان أحد هؤلاء النازحين من مكان إلى آخر يستصرخ ضمير حكّام مصر:إفتحوا لنا حدود رفح.غزّة لم تعد قابلة للعيش.لا سقف يأوينا ولا ملجأ يحمينا من الصواريخ والقنابل وكلّ أشكال القتل والأسلحة الفتّاكة..حتّى وليد جنبلاط، الذي دعا في وقت سابق الى الكفاح المسلّح، يكتب على منصّة إكس "إفتحوا أبواب رفح قبل أن يجرف الإعصار كلّ شيء".مدير مستشفى يافا بدير البلح يعلن أنّ المستشفى قد خرج عن الخدمة بعد تعرّضه لقصف في محاولة لتهجير السكّان.مصر تتحدّث عن إعادة إعمار غزّة، إذا ما حصل، بشروط وموافقة إسرائيل:نوع البناء وارتفاعه ونوع المواد المستعملة وتباعد المسافات بين مبنى وآخر، تماماّ كما حصل ذات مرّة مع "جنون" فتح الإسلام في مخيّم نهر البارد الشمالي.الطرف الأقوى يتحكّم بمجريات الأمور.الغلبة للأقوى، وليس بالضرورة لصاحب الحقّ.أكثر من مليون ونصف المليون غزّاويّ وغزّاوية باتوا مشرّدين لا يعرفون إلى أين يسيرون.ما بقي من بيوتهم وحياتهم مجرّد ركام وأنين ذكريات ومصير مجهول مرهون بما يأتي من تسويات دوليّة، بعيدة كلّ البعد عن وحدة الساحات وعن بطولات المقاتلين، لن تصبّ بالتأكيد لمصلحتهم.
غزّة فوق الأرض تختلف كلّ الإختلاف عن غزّة تحت الأرض.كأنّ الذين "تحت" لا يفقهون شيئاً عن مصير وأحوال الذين "فوق"، وإلّا كيف يدعو حمدان وعبد الهادي صديقهما مرسال إلى "حفلة شواء" قريبة في أرض غزّة:فهل بقي مكان آمن أو غير مدمّر في هذا القطاع حيث كان يعيش مليونا مواطن؟
قد تنتهي حرب غزّة في وقت قريب أو بعيد، ولكن ما بعد "طوفان الأقصى" لن يشبه بتاتاً ما قبله.المعادلات ستتغيّر، وقد تغيّرت.واللاعبون سيتبدّلون، وقد بدأ البحث في مَن سيحكم القطاع؟ وسيكون هناك خاسرون ورابحون,,وهذا الشعب التائه، فوق الأرض، من الشمال الى الجنوب الى المصير المجهول لن تشفع به "أصابع النصر" التي قد يرفعها الجالسون تحت الأرض..فشارات النصر لا تطعم جائعاً، ولا تداوي جريحاً، ولا تعيد سقف بيت قد تهدّم، وللأسف لن تعيد أحبّة سُفكت دماؤهم في ساعة حسابات خاطئة، أو في سياق البحث ولو الصادق عن حقّ لا يستعاد في ظلّ توازنات عربية ودولية مختلّة..وفي ظلّ "وحدة ساحات" تخرج منها فقط طهران سالمة ورابحة!