بعد 100 يوم!

بقلم مراسل نيوز

بعد 100 يوم!

100 يوم مرّت على عملية "طوفان الأقصى"، على حرب الإنتقام التي تشنّها إسرائيل ضدّ قطاع غزّة، وعلى المحاولات الخجولة لتطبيق شعار قاسم سليماني "وحدة الساحات":100 يوم، وماذا بعد؟

إسرائيل تلملم هزيمتها الإستخباراتية – الوجوديّة بعنف غير مسبوق "بلا سقف ولا ضوابط ولا قواعد" يطال البشر والحجر.لم يبقَ من أثر للبنيان الفردي أو الجماعي في شمال غزّة، وحاليّاً في جنوبها.ناتنياهو وكابينة الحرب يخوضون معركة "إعادة تكوين قطاع غزّة" في السياسة والحكم والإدارة وطبيعة التوزّع البنياني والبشري:هل تنجح في ذلك؟ بعيداً عن حجم خسائرها اليومية الملموسة، وبعيداً عن القدرة على تنفيذ شعار القضاء على حركة "حماس" قيادة وسلاحاً، فقد حقّق العدو قسماً كبيراً من أهدافه البعيدة المدى ولا يزال:لم تعد هناك من مقوّمات للحياة في القطاع المطوّق برّاً وبحراً وجوّاً.وأيّ إعادة ترميم أو بناء لتوفير الحدّ الأدنى من العيش باتت تمرّ حكماً من بوّابة الإرادة الإسرائيلية، أبقي نتانياهو رئيساً للحكومة، أو أدخلته المحاسبة الداخلية بين جدران السجون!

حركة "حماس" ضربت ضربتها الأولى في 7 أوكتوبر بنجاح جماهيري هزّ العالم، ونزلت تحت الأرض.فوق الأرض، تركت شعباً بالملايين ينزف، يتشرّد، يجوع ويستعطي المساعدات الدولية التي بدورها تستعطي السماح الإسرائيلي لها بالمرور الآمن عبر معبر رفح مع مصر."حماس" تحصّنت جيّداً.إستعدّت جيّداً لليوم التالي من 7 تشرين، قادة ومقاتلين وصواريخ وأسلحة..وكلّ ما يلزم من أنفاق عنكبوتيّة.برافو "حماس".ولكن ماذا عن الناس؟مَن يحمي الأطفال والنساء والشيوخ؟مَن يقي أسقف المنازل والأرزاق؟ لا جواب، سوى الدعوة الى الصمود.لا جواب سوى الوعد بالنصر الأكيد.لا جواب سوى أنّ السنوار وضيف وهنيّة ومشعل في خير!

ماذا عن "وحدة الساحات" التي نسج عناصرها القائد الراحل قاسم سليماني:هل من فعاليّة تغيّر في طبيعة ونتائج المعركة التي تدور فوق وتحت أرض غزّة المحاصرة؟

حزب الله، المصنّف سيّد مليشيات الأذرع الإيرانية في المنطقة، حدّد سلفاً سقف دوره فوق أرض الجنوب:جبهة إسناد وإلهاء بخمسين أو مئة أو مئة وخمسين شهيداً..والقائمة تطول.لا يخفى على أحد أنّ الحزب في إرباك أمني – سياسي كبير:في الأمن، كيف تتمكّن إسرائيل (رغم الضرب والإصابة المؤكدة لعمود الإرسال والتجسّس والمراقبة الإسرائيلي الذي حدّثنا ويحدّثنا الأمين العام حسن نصرالله عن أهمّيته وتأثيره في المعركة..) أن تصطاد العناصر والقيادات الناشطة في الجنوب، وأحياناً في ضربات إستباقية، ما يجعل حجم الخسائر العسكرية البشرية لافتاً وكبيراً؟..وفي السياسة، ماذا عن المفاوضات الجارية مع المبعوث الأميركي هوكشتين حول إمكانية تنفيذ القرار 1701..فهل هي معركة إسناد لغزّة (غاب نهائيّاً شعار تحرير القدس)، أم هي معركة استعادة الأراضي اللبنانية المحتلّة، كما وعدنا السيّد نصرالله في خطابه الأخير؟

الجبهة السورية لا صوت ولا طلقة رصاص واحدة.بشّار الأسد يعمل على تمرير الحرب دون المساس بوجوده في قصر المهاجرين.يبيع ويشتري تحت شعار "من بعدي الطوفان..".هو الذي تخلّى عن الجولان (وقبل نصف قرن تخلّى والده الراحل الرئيس حافظ الأسد عن لواء الإسكندرون)، فهل يعقل أن يخوض حرب وجود دفاعاً عن غزّة أو القدس أو فلسطين؟

وإذا كانت الفصائل الإيرانية في العراق وسوريا تتراشق الصواريخ التائهة في معركة إثبات وجود ليس إلّا، فإنّ الحوثيين، في أعمالهم الإستعراضية في البحر الأحمر، قد وحّدوا ما بين الشرق والغرب بعد أن فرّقت ما بينهم حرب غزّة وقضيّة فلسطين.لقد تحامق الحوثيون (ومن خلفهم الإيرانيون) حين لامسوا المصالح المشتركة لمعظم دول العالم.التعرّض لسلامة عبور السفن التجارية في البحر الأحمر هو مساس بمصالح الدول الكبرى دون إستثناء.وما تقوم به أميركا وبريطانيا من حماية لهذا الممرّ البحري الدولي يصبّ في خدمة الصين وروسيا والهند، كما يصبّ في خدمة أميركا وبريطانيا وكندا وأوستراليا وأوروبا.لذلك لم يكن غريباً أو مفاجئاً أن يصدر مجلس الأمن قراراً بإدانة "القرصنة اليمنيّة" بموافقة جميع الأعضاء تصويتاً أو امتناعاً عن التصويت.الحوثيون (ومعهم إيران) وقعوا في فخّ العنتريّات العسكرية، وأصابوا مقتلاً في حرب غزّة، أي أن يتوحّد العالم ضدّ الدور الحوثي في المنطقة!

غزّة ليست في خير.الساحات المساندة ليست في خير..وإسرائيل لا تزال بعد 100 يوم من القتل والتدمير تستعمل مبضع الجرّاح ضدّ أهل قطاع غزّة، وتحت أنظار العالم!