صهر المدينة 

بقلم مراسل نيوز

صهر المدينة 


 
إمتلأت جدران المدينة بشعارات ويافطات مؤيّدة لرئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، وهي تحمل في ما تحمله دلالات عديدة.ومن اليافطات الموقّعة باسم  "أصدقاء الشيخ سامي" جاء فيها:"صهر طرابلس خطّ أحمر، بدّك دولة وبدّن دويلة، طرابلس الأبيّة حدّك تنحمي الجمهورية.." بمعنى أنّها تتراوح ما بين الشخصي (الصهر..) على اعتبار أنّ النائب الجميّل متأهّل من سيّدة طرابلسية، وبين السياسي في المعركة المفتوحة على "الشيخ سامي" من قبل فريق الممانعة وحزب الله على مواقفه الحادّة لا بل والفجّة أحياناً..
وبعيداً عن "الصهر خطّ أحمر" وهو شعار عاطفيّ، ليس إلّا، تأتي الشعارات الأخرى لتعكس الحالة السياسية في البلد، حيث يخطف حزب الله القرار الوطني، من قرار السلم والحرب، إلى التحكّم المطلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية (سليمان فرنجية أو لا أحد..)، إلى منع التحقيقات والمحاكمات في جريمة العصر المتمثلة بانفجار مرفأ بيروت، وآخرها سحب مذكّرة التوقيف الصادرة بحقّ وزير الأشغال العامة آنذاك يوسف فنيانوس، وهو ما اعتبر إستجابة لضغوط مارستها "الدويلة" على ما تبقّى من قضاء في "الدولة" كما جاء في شعار "بدّك دولة وبدهم دويلة"، وهذه مقارنة صحيحة مئة بالمئة، بما أنّ كلّ مظاهر الدولة تغيب عن مناطق نفوذ الحزب كما في الضاحية والجنوب والبقاع، فيما تحضر بشكل مقبول ومعقول في باقي المناطق اللبنانية.
الشعار الثالث المتعلّق ب "حماية الجمهورية" يقودنا الى الحرب المفتوحة في الجنوب والتي تحمل في تطوّراتها اليومية خطراً داهماً، ليس على الحزب وحده أو على بيئته الحاضنة، بل على لبنان كلّه، وهو ما يهدّد بتدميره يوميّاً قادة الكابينة الإسرائيلية، في موجة تطرّف غير مسبوقة منذ تأسيس الكيان الصهيوني في أرض فلسطين المغتصبة.
ويمكن الإستطراد في القول أنّ الكلام عن "الدولة والدويلة والجمهورية" إنّما يطال في بعض جوانبه المواقف الأخيرة لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي وصل به التنازل والإستلشاق الى حدّ التسليم العلني (ولو كان واقعاً مفروضاً) بامتلاك الحزب لقرار السلم والحرب، قبل أن يتراجع في دافوس وأمام كاميرا محطّة الحدث المرتبطة بالمملكة العربية السعودية إلى نظرية التفريق بين السلم والحرب، مدّعياً أنّ الدولة تمتلك قرار السلم، فيما المقاومة تمتلك قرار الحرب..وقد استتبع ميقاتي هذه السقطة السياسية الفادحة بسقطة أكثر فداحة حين ألغى "الهامش الرسمي" بين موقف الحكومة اللبنانية وموقف الحزب، رابطاً أيّ حلّ في جبهة الجنوب المشتعل بالحلّ النهائي في غزّة، وهو موقف غير وطني لم تُقدم عليه أيّ دولة عربية بما فيها العراق وسوريا المرتبطتان بطهران وبمحور الممانعة!
"صهر المدينة" حصل على دعم ولو معنوي من بعض أهاليها، ما يثبت للمرّة الألف أنّ طرابلس تختزن من قيم التسامح والإنفتاح ما يكفي لتصنيفها من المدن الأكثر لبنانيّة والأكثر عروبة في وقت واحد.فوق أرضها مساحة حرية للجميع، بقدر ما فوق أرضها صراع مفتوح بين الجميع، وهذا دليل حيوية رغم كلّ الواقع الإجتماعي – الإقتصادي المزري، والواقع السياسي – الأمني غير المستقر!
قد يأتي من يمزّق اليافطات في ليل مظلم، ولكن هذا لا يغيّر حرفاً في أنّ طرابلس هي مع الدولة لا مع الدويلة، وهي مع حماية الجمهورية لا مع استباحة برّها وبحرها وجوّها، أكان من عدوّ كإسرائيل، أومن صديق مفترض كحزب الله!