ماذا فعلتم بغزّة؟
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري
يقول الشاعر الكبير الراحل أنسي الحاج، في عنوان أحد دواوينه المنشورة:"ماذا فعلتم بالوردة..ماذا صنعتم بالذهب؟"، ونحن نتساءل:ماذا فعلتم بغزّة وأهل غزّة ومستقبل غزّة..ماذا فعلتم بفلسطين وسوريا واليمن والعراق، وماذا يصنع حزب الله بالجنوب ولبنان، بالجنوبيين واللبنانيين؟
الأجوبة أشدّ إيلاماً من الأسئلة، لأنّ ما نراه على مدى الأشهر الأربعة، وما يمكن أن نتوقّعه في قادم الأيام، إنّما هو مرعب له تسمية واحدة لا غير "بين الخراب..واليباب"، أي بين الموت واقفين أو الموت مشرّدين في خيام سيناء والأردن والضاحية وبيروت، كأنّه كُتب على هذه المنطقة أن تعيش في ترحال وغربة دائمين.كأنّه كُتب على شعوب هذه المنطقة أن تختار السواد لوناً وحيداً لا أبيض فيه ولا حتّى رماد!
غزّة المنتصرة اليوم، حسب توصيف أئمّة إيران وقادة أذرعتها العسكريّة، تلملم جراح شمال القطاع وجنوبه وخان يونس، كما تلملم مصير رفح المعقل الأخير، بما يحمله من وجع وقلق أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني:أين المفرّ؟ بات مصير غزّة وأهلها في قرار مصر:تفتح لهم بوّابات النجاة الأخير، أو لا تفتح؟ يستطيع المارد الأميركي أن يضبط إيقاع جنون إسرائيل أو لا يستطيع؟ يخرج السنوار وضيف والمقاتلون الشجعان، دون شكّ، صانعو "ملحمة طوفان الأقصى"، من أنفاقهم المتقنة الصنع، أو يستبسلون حتى الرمق الأخير؟ لم يعد السؤال:متى نصل إلى القدس.المسافات تزداد بُعداً واتساعاً.الأحلام تحوّلت إلى كوابيس..والبيت الغزّاوي الدافئ صار خيمة باردة تائهة بين شاطئ البحر ورمال الصحراء المسمّاة سيناء!
وإذا كان العراق قد انسحب نسبيّاً أو مؤقّتاً من مرمى الصراع العالمي الدائر في المنطقة بعد الهجمة الأميركية المرتدّة على الحشد الشعبي (غابت الصواريخ والمسيّرات عن القواعد الأميركية في سوريا والعراق)، فالحوثيّون يستكملون خطاهم في تعكير الملاحة في البحر الأحمر بين الشرق والغرب، غير آبهين، حتى الساعة، بما يمكن أن يصيبهم من ويلات وضربات، فيما سارعت سوريا منذ البدء الى حفظ خطّ الرجعة، والتزمت بالحدّ الأدنى من "وحدة الساحات" رغم العمليات الإسرائيلية شبه اليومية في سمائها وفوق مطاراتها..أمّا البلد الصغير لبنان، فلا يزال يصرّ على لعبة الموت المتبادل:صاروخ مقابل صاروخ، مدنيّ مقابل مدنيّ، وتوغّل في ارض العدو مقابل توغّل العدو في النبطيّة والغازيّة، وصولاً الى قلب الضاحية..فهل نحن جاهزون لكلّ هذا الطوفان، قبل أن نكرّر السؤال/المأساة:ماذا فعلتم بغزّة..ماذا صنعتم بلبنان؟
بالأمس، إشتعل مصنعان (ولا أريد القول، مسنودعان للأسلحة والذخيرة، كما ادعى العدوّ الإسرائيلي):من يعوّض؟ أوّل أمس سقطت عائلة مدنيّة بالكامل تحت وابل قصف الطائرات المعادية (ولا أريد القول، مَن أمر بنقاهة القائد الدبس، المصاب والملاحق من الشاباك والموساد، بين المدنيّين الآمنين؟):ماذا فعلنا غير العزاء والحزن والكلام عن الإرتقاء وزفّ الشهداء والإستعداد الدائم للموت، وكأنّ الموت أمر عاديّ محتّم على كلّ جنوبي أو شيعيّ أو لبنانيّ؟
كيف يمكن لحزب الله أن ينتصر إذا ما دمّر الجنوب ودمّرت الضاحية ودمّر بعض لبنان؟ كيف يمكن له أن يعوّض الخسارات الكبيرة في ظلّ دولة منهارة سياسياً وإقتصاديّاً بالكامل، وفي ظلّ دول عربيّة وخليجيّة تكرّر على مسامعنا أنّ تجربة وظروف ومعطيات 2006 قد تبدّلت أيّ تبديل؟ هل عدنا الى المقولة التي انتهكت ملامح معظم هذا الشرق:القائد في خير..الأمّة في خير؟ هل تنتصر قضيّة غزّة (وفلسطين) بخروج السنوار أو ضيف أو باقي القادة أحياء، ولو مات وتشرّد وجرح الملايين.كيف يمكن لعدّة أشخاص (مهما بلوا بلاءً حسناً) أن يكونوا بديلاً عن شعب بكامله؟هل ينتصر لبنان، ولو تدمّر فوق رؤوس أهاليه، إذا ما خرجت المقاومة الإسلامية من أتون الحرب سليمة معافاة؟
نحن نسأل اليوم، وبحسرة كبيرة:ماذا فعلتم بغزّة؟ واليد على القلب، ألّا نسأل بعد وقت قريب أو بعيد:ماذا فعلتم بالجنوب..ماذا صنعتم بالوطن؟