مَن بدأ الحرب..ومَن يُنهيها؟

بقلم مراسل نيوز

مَن بدأ الحرب..ومَن يُنهيها؟

في الثامن من أوكتوبر الماضي، خرج علينا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، مزهوّاً بما صنعته حركة حماس في "طوفان الأقصى"، ليعلن بدء "حرب الإسناد والمشاغلة" من الجنوب اللبناني، رابطاً حربه المحدودة بالحرب المفتوحة في غزّة، مهدّداً العدوّ الإسرائيلي بالويل والثبور إذا ما تجرّأ على تجاوز أو كسر "قواعد اللعبة"، مؤكّداً على ما أسماه "وحدة الساحات"" بمعنى أيّ هدنة في لبنان يجب أن تسبقها هدنة في غزّة، وصولاً إلى تحديد بوصلة الشهادة بالسير "في الطريق إلى القدس"، أي أنّ انتصار حماس الحتمي في غزّة، مدعوماً بتوازن الرعب المفترض في الجنوب، سيأخذ الوضع الفلسطيني إلى حالة جديدة، ليس أقلّها تحرير القدس والمسجد الأقصى..والباقي يتبع!

بعد حوالي 5 أشهر من كلّ هذا الطوفان، أين نحن اليوم من مشهد غزّة، وأين نحن من مسار الحرب على الجبهة الشمالية لإسرائيل..وهل قصرت أو طالت المسافة التي تفصلنا عن أرض القدس المقدّسة؟

غزّة تحت النار.وفي أبهى صورها "تحت الأرض" في أنفاق لن تحمي إلى الأبد قادة ومَن تبقّى من مقاتلي حماس والجهاد الذين ضاقت بهم المساحة الجغرافية مهما خطّوا من بطولات، والذين تراجعت قدرة صواريخهم على ضرب غلاف غزّة وعمق تل أبيب، والذين باتوا يتحمّلون – شاؤوا أم أبوا – وزر مليون ونصف فلسطيني بلا مأوى ولا ماء ولا دواء ولا خبز ولا طحين، وبالنتيجة:بلا مستقبل ولا وطن.لقد تحوّل "طوفان الأقصى والقدس" إلى مجرّد مفاوضات وضغوط دوليّة للحدّ من المجزرة المستمرّة، والتي قضت على أكثر من ثلاثين أربعين خمسين ألف شهيد ومفقود وجريح، والتي يمكن أن تطال المعقل الأخير في رفح بما يشبه "يوم القيامة" كما في الكتب المقدّسة، أو بمشهديّة فيلم "القيامة الآن" بتوقيع المخرج الشهير فرانسيس كوبولا!

شعارات السيّد نصرالله ليست أفضل حالاً بكثير من شعارات السنوار وضيف وباقي قيادات حماس التي تعلم أو لا تعلم بتفاصيل ما جرى في السابع من أوكتوبر 2023:

"وحدة الساحات" أو هدنة في لبنان مقابل هدنة في غزّة، أسقطها العدو الإسرائيلي من حساباته.ها هو ناتانياهو وها هو غالانت، وها هم قادة الجيش الإسرائيلي ، وها هو المبعوث الأميركي آموس هوكشتين يقولون بالفم الملآن:الهدنة في غزّة ليس بالضرورة أن تستتبعها هدنة في لبنان.بات لكلّ بلد حربه الخاصة، وبات لكلّ حرب شروطها الخاصة بها، أي أنّ شعار "وحدة الساحات" قد سقط تلقائيّاً، حيث باتت حماس تفتّش عن خلاصها في هدنة ولو مؤقّتة، فيما الساحة اللبنانية تبقى مشتعلة لأهداف بعيدة كلّياً عن "المساندة والإشغال".

قواعد اللعبة تشظّت في أكثر من منطقة وفي أكثر من عملية إغتيال نفّذتها إسرائيل في الضاحية الجنوبية، في النبطيّة والغازيّة، وفي القصير والعمق السوري..وكلّ ما استطاع الحزب أن يردّ به هو تحذير العدو من "إرتكاب أيّ حماقة" كما جاء في كلام نائب الأمين العام المتشدّد الشيخ نعيم قاسم، أو التحذير من "إرتكاب الخطيئة الكبرى" كما جاء في تعريف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.إسرائيل، عمليّاً، ترتكب كلّ يوم "حماقة..وخطيئة كبرى"، والحزب عاجز عن الردّ بالمثل، مكتفياً بالتحذير وببيانات عسكرية تتكرّر، كما في زمن أحمد سعيد والصحّاف!

"الطريق الى القدس" ازدادت ابتعاداً.وما كان مجرّد حلم عابر قبل 7 أوكتوبر، تحوّل إلى حلم مستحيل بعد أشهر من القتال.وفي المفاوضات الجارية، فوق وتحت الطاولة، لا ذكر للقدس الشريف في الشروط والشروط المضادّة.كلّ ما في الكواليس أحاديث عن "اليوم التالي" في القطاع، وعن القرار 1701 في الجنوب اللبناني.

الأمين العام نصرالله قد بدأ الحرب، وهذا صحيح.ولكن لم يعد يملك مفاتيح إغلاقها.فقد أمسك نتانياهو بزمام الأمور، واضعاً الجميع في مواجهة الواقع المستجد:هدنة غزّة شيء..والهدنة مع لبنان شيء آخر!