ماذا تعني بعلبك؟
بقلم مراسل نيوز
في السابع من أوكتوبر 2023 رسمت حركة "حماس" في التوازن الإستراتيجي العسكري مع دولة إسرائيل معادلة جديدة لا تزال مفاعيلها وتداعياتها تتدحرج وتتشظّى بالرغم من مرور خمسة أشهر على عمليّة "طوفان الأقصى" الأشدّ تأثيراً في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي.لقد امتلكت سرايا القدس، للمرّة الأولى في هذا الصراع الطويل، زمام المبادرة:فهل لا تزال كذلك بعد كلّ ما جرى ويجري في قطاع غزّة؟
في الثامن من أوكتوبر 2023 أعلن حزب الله، إنطلاقاً من شعار "وحدة الساحات" ما أسماه حرب الإسناد والإشغال، جاعلاً من الجيش الإسرائيلي في حالة دفاع، على جبهته الشمالية، عن الجليل الأعلى ومستوطناته، ما أربك وشاغل عمليّاً قيادتي العدوّ السياسيّة والعسكريّة.بمعنى آخر لقد امتلكت المقاومة الإسلاميّة بدورها زمام المبادرة:فهل لا تزال؟
مَن ينظر بالقليل من الموضوعية في ما آلت إليه الأحوال والأوضاع في غزّة لا يتأخّر عن اكتشاف أنّ ما ربحته "حماس" في ساعات من النشوة باقتحام المستوطنات وأسر مئات الرهائن، إنّما تحوّل إلى كابوس يضغط ليس على مليوني فلسطيني من المهجّرين فقط، وإنّما على قيادة حماس نفسها حيث باتوا محاصرين في المربّع الأخير (رفح) على حدود مصر.ولعلّ ما تواتر بالأمس عن استهداف الرجل الثالث في حماس مروان عيسى (يد الضيف اليمنى) يؤشّر الى أنّ دائرة الخناق على قيادات الحركة قد بدأت تضيق، مهما حاولت خطب اسماعيل هنيّة وقيادات الخارج أن توهم بعكس ذلك:في الوقائع، سقطت معظم مناطق غزّة في قبضة الجيش الإسرائيلي، وتحوّلت المدن والبلدات إلى أبنية مهدّمة أو متصدّعة غير صالحة للسكن والعيش، وبات مئات الآلاف من الغزاويين ينتظرون لقمة العيش تهبط من السماء، أو
عبر الميناء الذي سيصطنعه الجيش الأميركي..ولم يعد أمام حركة المقاومة في هذا القطاع سوى أن تقاتل حتى الإستشهاد، وأمّا أن توافق على تسوية تُنهي حكم حماس والجهاد، مرّة أخيرة، وإلى الأبد.باختصار، المبادرة لم تعد في يد الحمساويين ولا في يد محور الممانعة الداعم لهم.المبادرة لها طرفان يمسكان بزمامها:من جهة، ناتنياهو الذي يريد أن يحسم الوضع في رفح مهما كانت المجزرة الإنسانية كبيرة وفادحة..وبايدن الذي يريد إسقاط رفح وحركة حماس، ولاعتبارات إنتخابية في واشنطن، بأقلّ خسائر ممكنة بين المدنيين العُزّل التائهين!
وما يصحّ على واقع الحال في غزّة، ينطبق في لبنان.لقد خسر حزب الله في حرب الإشغال والمساندة معظم أوراقه التي كانت تؤهّله للإمساك بزمام الأمور.أساساً لم يعد هناك ما بسانده في غزّة شبه الساقطة عسكريّاً، مهما استبسل مقاتلو القسّام ومهما أوقعوا من خسائر في صفوف جنود العدو.القتال بات على مشارف رفح وليس عند غلاف غزّة، وهذه خسارة كبرى في الجغرافيا العسكرية..أمّا عن "وحدة الساحات" فقد انقلب السحر على الساحر، ومَن فكّ الإرتباط (سلباً) بين الساحتين هو ما يصرّح به قادة العدو:الهدنة في غزّة ليس بالضرورة أن تنسحب على لبنان.الحزب ربط العقدة لمصلحته، وإسرائيل فكّتها لمصلحتها..عدا ذلك، كلّ الخطوط الحمر التي رسمها الأمين العام حسن نصرالله على مدى سنوات من الخطبّ المستعلية على باقي الطوائف اللبنانية، إنّما تقوم الطائرات المعادية بإسقاطها الخطّ بعد الخطّ:الطائرات التي كانت تجوب سماء الجنوب، باتت تختال فوق بيروت وطرابلس والبقاع وكلّ لبنان.التهديد بالردّ المزلزل على أيّ عملية اغتيال للبناني أو فلسطيني، لم يمنع من اغتيال القائد الحمساوي صالح العرعار في قلب الضاحية الجنوبية وقادة آخرين من الحزب في النبطيّة والغازيّة، ولم نشهد على الردّ المزلزل المفترض.قتل المدنيين قائم كلّ يوم، وكذلك قتل عناصر الحزب في بيوتهم.ولعلّ الخطّ الأحمر الأخير الذي تجاوزته إسرائيل، دون أيّ اعتبار للمئة ألف صاروخ، قد بلغ مداه في القصف الواسع على بعلبك، عمق البقاع وعمق البيئة الحاضنة لحزب الله.لم تُبقِ العمليات الإسرائيلية المتلاحقة من "ورقة توت" يتستّر بها الحزب:هي امتلكت زمام المبادرة في الساحة اللبنانية، وهو مطالب بأن يردّ بأقصى ما لديه..فهل يستطيع؟
حرب غزّة تقترب من فصولها الأخيرة على جثث آلاف الشهداء والجرحى والمشرّدين..فهل تبدأ حرب لبنان، أم هناك مَن يتّعظ و"مَن يعلم.."؟