فجر الحقيقة والخديعة: بين "حزب الله" وإسرائيل... من يربح معركة الظلال؟
بقلم عبد الحميد عجم
في ساعات الفجر الباكر من الأحد الماضي، اندلعت مواجهة جديدة بين "حزب الله" اللبناني وإسرائيل. هذا الاشتباك الأخير، رغم ضراوته الظاهرة، بدا وكأنه حلقة أخرى في سلسلة من التحركات المحسوبة التي تفتقر إلى عنصر المفاجأة. إسرائيل، التي أعلنت مسبقاً عن نوايا "حزب الله" بإطلاق صواريخ ، قامت بما أسمته "ضربات وقائية" لتحييد تهديدات الحزب قبل أن تخرج إلى النور. ولكن إذا كانت كل التفاصيل معروفة مسبقًا، فأين يكمن سلاح المفاجأة الذي يُعد جوهر الحروب؟
على الجانب الآخر، لم يتأخر إعلام "حزب الله" في إعلان النصر، مؤكداً أن ضرباته أوجعت إسرائيل وألحقت بها خسائر فادحة. لكن كما يُقال في سياق الحروب، "الحقيقة هي أولى الضحايا".
المعضلة الأساسية هنا تتجسد في السؤال: هل كانت هذه بداية حرب شاملة بين "حزب الله" وإسرائيل؟ أم أنها كانت عملية محدودة، تندرج تحت إطار تفاهمات غير معلنة؟
مصادر دبلوماسية موثوقة تشير إلى أن تبادل القصف الكثيف لم يكن سوى جزء من لعبة أكبر، حيث تبادل الطرفان رسائل عبر وسطاء، مؤكدين أن لا أحد منهما يرغب في تصعيد الأمور إلى حرب شاملة. كما أشار مسؤول في "حزب الله" إلى أن الحزب حرص على أن يكون ردّه على اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر محصورًا في نطاق محدد، لتجنب الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.
هذه المواجهة، في جوهرها، تبدو وكأنها مسرحية محكمة الإخراج، تهدف أكثر إلى تحقيق أهداف نفسية ودعائية بدلاً من كونها صراعًا عسكريًا حقيقيًا. التحركات كانت محدودة، والحذر كان واضحًا من كلا الطرفين، خاصة من قبل "حزب الله" وإيران، اللذين بديا حريصين على تجنب أي تصعيد قد يجر المنطقة إلى حرب كارثية.
ربما كان الهدف الأكبر من هذه العملية هو إشعال الخيال الجماعي وصنع مواد إعلامية تروي "بطولات" الطرفين. وفي هذا السياق، جاءت السخرية الشعبية لتعكس هذا الواقع، مثلما حدث عندما ضرب أحد صواريخ "حزب الله" قنًّا للدجاج في إسرائيل، مما أثار موجة من التعليقات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
لحسن الحظ، لم تتحول هذه المواجهة إلى حرب شاملة، وهو ما يجب أن يبعث على الارتياح. لكن في الوقت نفسه، يجب علينا أن نكون واعين لحقيقة أن الكثير مما نشهده هو جزء من لعبة دعائية مدروسة بعناية، تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية ونفسية أكثر من تحقيق انتصارات عسكرية حقيقية