أوكرانيا ضحية ترامب... وضحية بايدن أيضاً

أوكرانيا ضحية ترامب... وضحية بايدن أيضاً

لا تُحسد أوكرانيا على وضعها بعد تولي دونالد ترامب الرئاسة الأميركية. خسرت غالبية الأراضي الروسية التي سيطرت عليها في كورسك، وهي تقف على أبواب خسارة كثير من أراضيها الخاصة، أو "أصولها" بحسب تعبير ترامب، وهذه المرة بشكل رسمي. وقد لا يطول الأمر كثيراً قبل خسارة قسم من مواردها المعدنية من دون الحصول بالمقابل على ضمانة أميركية واضحة. كل هذا بسبب ترامب، كما يقول الديموقراطيون. لكن ماذا عن سياسات بايدن؟

يحاول ترامب أن يبدو متوازناً في موقفه من طرفي النزاع، بالرغم من أن سلوكه يظهر تعاطفاً مع روسيا. فيما تعاطف بايدن مع أوكرانيا لكن سلوكه مع طرفي الحرب كان أقرب إلى التوازن أيضاً.

 

الخوف المطلق

ردد بايدن شعار أنه سيقف مع أوكرانيا "طالما لزم الأمر". يثير هذا الشعار أسئلة عدة من بينها: "أي أمر"؟

 

لاحظ كثر أن الرئيس السابق استخدم جميع كلمات الدعم لأوكرانيا باستثناء واحدة: "الانتصار". نادراً ما لفظ بايدن أو المقربون منه هذه الكلمة. يعود ذلك إلى واحد من سببين على الأرجح، وهما خوفه من هزيمة روسيا أو عدم قناعته بأنه يمكن أن تُهزم روسيا.

 

للسبب الثاني ما يبرره. في تموز/يوليو 2023، كتب الباحث في "المجلس الأطلسي" أدريان كاراتنيكي أن طيف أوباما كان لا يزال يسيطر على إدارة بايدن لجهة اعتبار أن روسيا تملك "السيطرة على التصعيد" في الملف الأوكراني.

 

وفي خريف 2022، أي بعد ذروة الانتصار الأوكراني السريع خلال الهجوم المضاد في خاركيف وخيرسون، توقع قائد هيئة الأركان الأميركية في عهد بايدن الجنرال مارك ميلي أن تكون كييف بحاجة إلى التفاوض لاسترجاع كامل أراضيها لأن الخيار العسكري وحده كان عاجزاً عن تحقيق ذلك. إذا كان هذا هو تقييم الإدارة للميدان فسيتساءل البعض عن دافعها لمد أوكرانيا بالسلاح من دون جدول زمني واضح، والذي تحدد في نهاية المطاف بمجرد فوز ترامب بالانتخابات. بطبيعة الحال، لم يكن كلام ميلي مُنزلاً.

 

فهو كان واحداً من الذين توقعوا إمكانية سقوط كييف في "غضون 72 ساعة" على انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا. بالتالي، أمكن أن تكون الإدارة قد تركت أملاً باحتمال أن تحقق أوكرانيا الفوز عن طريق القوة. لكنه فوز فضل بايدن ومستشاروه أن يأتي على مرحلتين: الأولى عسكرية تجعل استدامة روسيا حربها أمراً صعباً، مما يحتم ذهابها لاحقاً إلى طاولة الحوار والتوصل إلى تسوية ترضي الطرفين، كأن تسترجع أوكرانيا معظم أراضيها وتعود روسيا على الأقل إلى خط ما قبل شباط/فبراير 2022.

 

وهذا ما ينقل المراقبين إلى فكرة خوف بايدن من انتصار أوكرانيا. يعني هذا السيناريو اضطراباً كبيراً في روسيا، وربما تحولاً عنيفاً في الصراع على السلطة داخل الكرملين. يتطلب ذلك موارد أميركية إضافية من أجل منع تدهور الأمور داخل روسيا أو لمنع انفلاشها إلى خارج حدودها. سيأتي هذا التطور في وقت تحاول الإدارة تركيز جهودها على الصين ومسرح آسيا-الهادئ.

 

الغموض القاتل

عانى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كثيراً ليقنع بايدن بإرسال الأسلحة بالكمية والسرعة المطلوبتين، مما أثر بشكل كبير على حظوظ بلاده الميدانية. صحيح أن مخاوف طبيعية سادت صناع القرار في البيت الأبيض مثل إمكانية وقوع تلك الأسلحة بيد الروس والحاجة الأوكرانية الأساسية للوقت كي تكتسب مهارة تشغيل تلك الأسلحة والدفاع عنها من الهجمات الروسية. لكنها مخاوف لم تمثل السبب الغالب لبطء توفير المعدات. وقفت السياسة إلى حد كبير خلف المماطلة الأميركية طوال مراحل الحرب تقريباً، وهي مماطلة كبلت أيضاً قرار الأوروبيين في الموافقة على إرسال أسلحتهم إلى أوكرانيا.

 

على سبيل المثال، سمح بايدن لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأميركية الطويلة المدى في كورسك، فقط بعد فوز ترامب في الانتخابات. وهذا يطرح سلسلة فرضيات لا تجد واحدة منها جواباً منطقياً. إذا كانت هذه الخطوة "تصعيدية" فلم يكن هناك سبب للسماح بها حتى بعد فوز ترامب. وإذا لم تكن كذلك فلم يظهر ما يبرر عدم الإقدام عليها قبل فوز ترامب. وإذا كانت الخطوة تهدف إلى إعطاء أوكرانيا ورقة قوة قبل دخول المرشح الجمهوري البيت الأبيض، فهي، كما العادة، جاءت متأخرة إلى حد كبير.

 

هذا في أفضل الأحوال مثل واحد فقط على الغموض الاستراتيجي في نظرة بايدن إلى أوكرانيا، وفي أسوئها دليل إلى أن الرئيس السابق أراد فعلياً إنهاك الطرفين ليأتيا إلى طاولة التفاوض والاعتراف بـ "التعادل".

 

يعيدنا كل ذلك إلى نقطة الصفر

لا شك في أن ترامب افتتح سلسلة المساعدات العسكرية الفتاكة لأوكرانيا. وعزز بايدن تلك المساعدات بشكل كبير مما مكنها من الصمود. لكن يبدو أن الغاية من تلك المساعدات كانت مضبوطة بتأمين النجاة وحسب.

 

إذا كان بايدن خائفاً من انتصار أوكرانيا في الحرب فما الفرق الذي تقدمه استراتيجيته عن استراتيجية ترامب الأوكرانية؟ عملياً، وباستثناء أن بايدن لا يحب بوتين على الصعيد الشخصي بعكس خلفه، لا شيء يُذكر. بما أن الأمور تقاس بنتائجها، لم يُرد لا ترامب ولا بايدن رؤية روسيا تخسر الحرب. يكفي تذكر أن قسماً من الأوكرانيين راهن في الانتخابات على ترامب، بسبب "إحباطه العميق" من بايدن و"كرهه" لمستشاره جيك سوليفان. كان هذا تقييم الصحافية الأوكرانية أناستازيا لاباتينا بعد فوز ترامب.

 

للاختصار، يبدو أن الإدارتين السابقة والحالية تتساويان تقريباً في إثارة يأس الأوكرانيين. وليس من دون سبب وجيه.