جنبلاط في دمشق... اعتراف سوري يفجر أكبر ذريعة لحزب الله ويشعل معركة السلاح في لبنان
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم
في خطوة تحمل دلالات تتجاوز حدود المجاملات السياسية، زار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط دمشق، ليعود منها برسالة تهز واحدة من أكثر القضايا حساسية في لبنان: مزارع شبعا ليست لبنانية، بل أرض سورية بلا جدال.
هذا الاعتراف الذي خرج به جنبلاط من أروقة السياسة السورية لا يمكن اعتباره تصريحًا عابرًا أو مجرد تفصيل بروتوكولي. بل هو بمثابة صفعة مباشرة لخطاب «حزب الله»، الذي لطالما استخدم قضية "تحرير مزارع شبعا" كذريعة لاستمرار تسلحه واحتكاره قرار الحرب والسلم في لبنان.
منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، اعتبر الحزب أن سلاحه هو الضمانة الوحيدة لاستكمال "التحرير"، مشددًا على أن المزارع جزء من الأراضي اللبنانية المحتلة. ورغم أن الأمم المتحدة صنّفتها ضمن القرار 242 الذي يُعنى بالأراضي السورية، استمر الحزب في ترسيخ روايته بدعم ضمني من دمشق آنذاك.
لكن المشهد تغيّر اليوم. دمشق، التي كانت حليفًا داعمًا لهذه السردية، قررت كشف الحقيقة بوضوح: مزارع شبعا سورية، ولا يمكن الاستمرار في ادعاء لبنانيّتها.
زيارة جنبلاط لدمشق ليست مجرد جولة سياسية، بل تحمل أبعادًا داخلية كبيرة. إذا كانت الأرض التي يدّعي «حزب الله» أنها "لبنانية محتلة" ليست كذلك، فما الحاجة إلى استمرار السلاح؟
إن إسقاط ذريعة التحرير يفتح الباب أمام تساؤلات أعمق حول الدور الذي يلعبه سلاح الحزب اليوم. هل ينتقل الخطاب إلى قضايا أخرى مثل تحرير فلسطين؟ أم أن لبنان مقبل على مرحلة جديدة من الجدل حول مستقبل السلاح واحتكاره من قبل جهة واحدة؟
على الساحة الداخلية، تتقاطع هذه التطورات مع أزمة الشغور الرئاسي المستمرة. «حزب الله» يعرقل وصول قائد الجيش إلى الرئاسة بحجة تعديل الدستور، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. الحزب لا يريد رئيسًا قويًا قد يحد من نفوذه، بل يسعى إلى رئيس يكرّس التوازنات القائمة ولا يشكل تهديدًا لسلطته.
الفراغ الرئاسي هو انعكاس مباشر لهذه الاستراتيجية، حيث يُبقي الحزب البلاد في حالة انتظار، ما يفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ويجعل لبنان رهينة المراوحة السياسية.
اعتراف النظام السوري بملكية مزارع شبعا يرسل إشارات واضحة بأن الأولويات تغيّرت. سوريا اليوم، رغم هشاشتها، تسعى إلى إعادة تموضعها إقليميًا ودوليًا، وهي تدرك أن استمرار الفوضى في لبنان قد لا يصب في مصلحتها على المدى الطويل.
جنبلاط، الذي لطالما كان وسيطًا بين الأطراف اللبنانية، يدرك أن هذه اللحظة قد تشكّل نقطة تحول. الرسالة التي حملها من دمشق تعني أن لبنان مقبل على مرحلة جديدة، قد تنهي لعبة التوازنات القديمة وتفرض واقعًا سياسيًا مختلفًا.
سقوط ذريعة مزارع شبعا يضع لبنان أمام مفترق طرق. هل تكون هذه فرصة لفتح نقاش وطني حول مستقبل السلاح ودور الدولة؟ أم يستمر الحزب في تقديم ذرائع جديدة، ما يدفع البلاد إلى مزيد من الانهيار السياسي والاقتصادي؟
لبنان اليوم يواجه تحديًا حقيقيًا، والرهان على الوقت لم يعد ممكنًا. الكرة في ملعب اللبنانيين: إما مواجهة الحقائق وفتح صفحة جديدة، أو الاستمرار في الدوران في حلقة مفرغة من الأزمات.