الزعامات في مأزق... مجلس الشيوخ يهدد جمهور الطوائف ويكسر احتكار التمثيل

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

الزعامات في مأزق... مجلس الشيوخ يهدد جمهور الطوائف ويكسر احتكار التمثيل

في وطنٍ تتآكله الطائفية وتكاد تبتلعه الانقسامات، يطفو على السطح من جديد مشروع مجلس الشيوخ. ليس مشروعًا عاديًا، بل أحد الأعمدة التي نصّ عليها "اتفاق الطائف"، ووُئدت عمدًا منذ ولادتها الأولى. اليوم، ومع اقتراب الانتخابات النيابية، تُفتح نافذة أمل – فتتسابق قوى المنظومة القديمة لإغلاقها.

 

بمجرّد طرح المشروع، خرج المعارضون من جحورهم. حججٌ جاهزة: لا صلاحيات واضحة، لا توقيت مناسب، لا توافق سياسي. وكأن لبنان يعيش في رخاء مؤسسي، وكل ما يُقلقهم هو "توقيت" الإصلاح! في الواقع، ما يخيفهم ليس المجلس بل الفكرة: أن تقوم مؤسسة جديدة تُقيد نفوذهم، وتنسف أسس الامتيازات الطائفية التي يعتاشون منها.

 

الطائفية السياسية ترتجف من التغيير

 

كل الأصوات التي تنتقد المشروع بحجة “الآليات الغائبة” و”غياب الورشة الدستورية”، هي نفسها التي عطّلت لعقود أي محاولة للانتقال نحو الدولة المدنية. الإصلاح ليس طقوسًا قانونية معقّدة، بل قرارٌ سياسي شجاع. ولكن الشجاعة غائبة في زمن الصفقات.

 

هؤلاء لا يريدون مجلس شيوخ، بل يريدون إبقاء الوضع كما هو: مجلس نواب موزّع طائفيًا، وزعامات تحتكر القرار وتمنع أي توازن جديد يُولد.

 

الحكومة تكسر المحظور... والخصوم يفقدون صوابهم

 

في خطوة تحسب لها، فتحت الحكومة الحالية باب النقاش الجاد حول المجلس. مبادرة إصلاحية لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها منذ سنوات، لا لأنها معقدة، بل لأنها تهدد تركيبة حكم متجذّرة منذ عقود. الهجمة على المشروع اليوم تؤكّد أنه ضرب في عمق النظام الطائفي، وهذا وحده كافٍ لإعلان الطوارئ لدى خصوم الدولة المدنية.

 

حتى النقاش حول رئاسة المجلس تحوّل إلى معركة طائفية مبكرة. هل يعقل أن تُختزل مؤسسة سيادية بموقع رئاسي لطائفة معينة؟ هذا بحد ذاته يفضح منطق من يعارض المشروع: لا يريدون إصلاحًا، بل توزيعًا جديدًا للغنائم!

 

مجلس الشيوخ ليس رفاهية سياسية، بل خطوة تأسيسية نحو عقد اجتماعي جديد. إن رفضه أو التهوين من شأنه يعني شيئًا واحدًا: استمرار الانهيار، واستمرار الرهائن الطائفية التي تكبل اللبنانيين وتحول دون بناء دولة عادلة.

 

اللبنانيون اليوم ليسوا سذجًا. يدركون من يعرقل الإصلاح، ومن يخشى ولادة دولة حديثة. ويوم ينفجر الشارع مجددًا، لن يُجدي الخطاب المزدوج، ولن تنفع مسكنات الشعارات.

 

إمّا أنتم مع مشروع الدولة، أو أنتم شركاء في خرابها.

مجلس الشيوخ قادم... رغمًا عنكم.