مع الإضراب..ولكن!
بقلم مراسل نيوز
تستحقّ غزّة وأهل غزّة أكثر من إضراب.تستحقّ القضيّة الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني المشتّت في كلّ أصقاع الأرض أكثر من وقفة إحتجاجيّة صامتة أو صارخة بصوت عالٍ، وأكثر من تظاهرة تجوب أحياء الضاحية الجنوبية أو بعض ساحات طرابلس.جميل أن تتعالى الصيحات المؤيّدة للإضراب العام، ومؤثّر أن تطلق باخرة الفيول الراسية في منطقة الزهراني عنان صافراتها تضامناً كما جاء في الخبر الصحافي،...ولكن؟
هل الدعوة الى الإضراب فعلاً كانت دعوة أمميّة، بمعنى أنّها قد شلّت الحركة الإقتصادية في كلّ عواصم العالم، ما يحوّل هذا اليوم الى موقف تاريخي للرأي العام يمكن له أن يعدّل في مواقف الدول (الديمقراطية) الداعمة بشكل مطلق وغير مسبوق للعدوان الإسرائيلي على خان يوني وجباليا وغيرها من المدن والمخيمات المستباحة؟
وإذا لم تكن الدعوة "أمميّة عالميّة" كما قيل، فما الفائدة منها، وما هو مدى تأثير إضراب مدارس ومصارف طرابلس وصيدا وبيروت، إن كان على القرار الإسرائيلي بالقتل والتدمير، أو على المقاتل الغزّاوي الذي بات يحمل دمه على كفّه، أو على النازح الفلسطيني الذي لا يملك بيتاً يستقرّ فيه، ولا كهرباء تنير لياليه، ولا شاشة تلفزيون يمكن له من خلالها أن يشاهد ويبارك داعميه؟
ما الذي جعل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يصدر مذكّرة تعطيل عام في أوائل الليل.هل أجرى إتصالاته بزملائه رؤساء الحكومات في سوريا والكويت والسعودية مثلاً، فأبلغوه بأنّ عواصم بلادهم مقفلة في هذا اليوم؟ هل بادر رئيس الإتحاد العام في لبنان بشارة الأسمر الى التنسيق مع الإتحادات العمالية العالمية، فأبلغوه بتعطيل كلّ مصانع فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين تضامناً مع صمود غزّة، واستنكاراً للمجزرة الأفظع في التاريخ الحديث؟
وإذا لم تتمّ هذه الإتصالات ولم يجرِ هذا التنسيق، فما معنى أن يُضرب لبنان وحده، دون غيره من بلدان العالم؟وهل البلد بحاجة الى يوم زائد أو يوم ناقص من العمل لسدّ بعض عجزه الإقتصادي المتفاقم، وهل فعلاً غزّة قد استفادت من هذا اليوم، أما كان من الأجدى أن يكون "يوم عمل" من أجل غزّة، فيعود ريعه الى مساندة أولئك النازحين في الخيم بلا ماء ولا غذاء ولا دواء، باستثناء ما يأتيهم "بالقطّارة" من مساعدات غذائية تتحكّم إسرائيل بدخولها ووصولها عبر بوّابة رفح المصريّة؟
والأطرف في المشهد اللبناني المثير للشفقة، مسؤولين ومواطنين، أنّ وزير التربية عبّاس الحلبي قد اضطرّ الى إصدار بيانين متناقضين:في الأول، دعا الى التدريس طالباً من المعلمين أن يشرحوا للتلامذة لمدّة ساعة عن القضية الفلسطينية..والثاني، تضمّن الدعوة الى إقفال جميع المدارس والمعاهد والجامعات، إستلحاقاً بمذكّرة رئاسة الحكومة.
نحن مع الإضراب "يوم ويومين وجمعة.." على حدّ قول فيروز، ولكن لقد حان الوقت كي ندرس خطواتنا، وحان الوقت كي نغلّب العقل على العاطفة والإندفاع، وكي نميّز بين الدعوة العالمية الجدّية للإضراب..وبين التأثّر واللحاق ببعض الدعوات المجهولة والخجولة على مواقع التواصل الإجتماعي!