ايران واسرائيل في خضم صراع ديني..
بقلم مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات.. حسان القطب
الصراع على العالم العربي والاسلامي بين ايران واسرائيل، كان مغلفاً بتحقيق المصالح والتمدد السياسي والامني والاقتصادي..اذ إن ايران تعتبر نفسها قوة اقليمية وازنة وبحكم هيمنتها على الاقليات الشيعية في الدول العربية والاسلامية، عملت على تنظيم هذه الاقليات ضمن احزاب سياسية – دينية، وعززت الانتماء الديني المذهبي ضمن هذه الاقليات.. وجعلت طهران من نفسها المرجعية الدينية والسياسية لكافة الاقليات الشيعية في العالم بأسره وخاصةً في العالم الاسلامي.. ورفعت ايران شعار (ولاية الفقيه) كدلالة على وحدانية المرجعية الدينية والسياسية للشيعة..
اسرائيل من جهتها كانت تسعى منذ تاسيسها على ان تجعل من وجودها جسماً مقبولاً في وسط العالم العربي والاسلامي، بحكم الامر الواقع، وبقوة الرعاية والحماية الدولية لها وخاصة الاميركية منها.,. واعتبرت ان اتفاقية أوسلو، التي تم توقيعها في 13 سبتمبر/ أيلول 1993، أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية ياسر عرفات. على انها بداية مرحلة جديدة من الصراع العربي- الاسرائيلي..ثم توالت الاتفاقات والتفاهمات بين الكيان الغاصب، وبعض الدول العربية، التي استندت في مسارها السياسي الى اتفاق كامب دايفيد بين مصر واسرائيل، والذي كان البداية، ومن ثم الى اتفاق اوسلو، ان التفاهم الفلسطيني- الاسرائيلي معتبرة انه يعفي هذه الانظمة من المسؤولية التاريخية المرتبطة بتحرير فلسطين والمقدسات الاسلامية والمسيحية في ارض فلسطين..
اعتبرت ايران ان تبني القضية الفلسطينية، يعزز وجودها في العالم العربي والاسلامي ويساعدها على ترويج مشروعها السياسي- الديني، وان القوى المتحالفة معها وخاصةً الاقليات الشيعية في لبنان والعراق، وبعض الدول الاخرى، يمكنها الترويج للمشروع والحضور والدور من خلال عنوان المواجهة مع الكيان الغاصب، ولكن الحرب السورية، كما الحرب العراقية، والحرب اليمنية، ودور حزب الله اللبناني في الداخل اللبناني كما في هذه الحروب الاقليمية الى جانب الميليشيات الشيعية القادمة من باكستان(زينبيون) والافغانية (فاطميون) وكذلك ادبيات وممارسات الحشد الشعبي العراقي، في العراق كما في دول الجوار، الى جانب ممارسات انصار الله (الحوثي) في اليمن، بإدارة الحرس الثوري الايراني.. ادى الى فشل المشروع السياسي الايراني في المنطقة وتحوله الى مشروع ديني.. غير قابل للتمدد والهضم من قبل جمهور الدول العربية والاسلامية..
اسرائيل من ناحيتها، لم تستوعب ان التطبيع السياسي والاقتصادي مع بعض الدول العربية لم يترجم قبولاً لدى شعوب المنطقة، والتفاهم مع النظام الرسمي في هذه الدول لا يكفي، حتى تكون اسرائيل دولة مقبولة وجودياً في قلب العالم العربي وبين دوله.. رغم الضغوط الاميركية، والسياسات الايرانية العدائية التي دفعت بعض الدول العربية لربط نفسها بالسياسة الاميركية لحماية وجودها وضمان عدم تدخل ايران في شؤونها الداخلية..
فشلت ايران في تقديم مشروعها الديني بغلاف سياسي، ونظامها الديكتاتوري الديني، بقالب ومشهد ديموقراطي شكلي، من خلال اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.. كلها تخضع لشروط الموافقة المسبقة، ولصلاحيات محدودة يضبطها مرشد الجمهورية صاحب الصلاحيات المطلقة سياسياً ودينياً.. كما ورد في الدستور الايراني..هذا الفشل، شجع التطرف الديني في ايران وبين ادواتها في المنطقة على ابراز طموحاتها الدينية ورغبتها في تغيير واقع المنطقة دينياً وسياسياً.. وقضية عودة المهدي المنتظر تعتبر اساسية في العقيدة الشيعية التي تتبناها ايران .. وتعتبر ان كل موقف وخطوة سياسية انما تؤسس وتخدم عودة المهدي المنتظرة والموعودة.. والاحتفالات والمهرجانات والخطابات الدينية التي يتم بثها عبر شاشات التلفزيون انما توضح وتؤكد هذا النهج والسلوك والاعتقاد..وهنا نورد بعض الادلة بحسب المراجع الشيعية:
(المهدي الموعود... دروس في تاريخ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف... مركز المعارف للمناهج والمتون التعليمية
من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.......
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ عليَّ بن أبي طالب إمام أمّتي وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر، الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً. والذي بعثني بالحقّ بشيراً، إنّ الثابتين على القول بإمامته، في زمان غيبته، لأعزّ من الكبريت الأحمر. فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاريّ، فقال: يا رسول الله، وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: إي وربيّ، وليمحّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. يا جابر، إنّ هذا الأمر أمر من أمر الله، وسرٌّ من سرّ الله، مطويّ عن عباد الله، فإيّاك والشّكّ فيه، فإنّ الشكّ في أمر الله - عزّ وجلّ - كفر"...
يقول الإمام القائد الخامنئيّ دام ظله: "إنّ قضيّة المهدويّة من القضايا الأساسيّة في الإسلام، ولا ينفرد بها الشيعة دون سواهم، وإنما تذهب الفرق الإسلاميّة بأجمعها إلى أنّ المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من النسل الطيّب الطاهر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّه سيملأ العالَم قسطاً وعدلاً، وسيظهر لإقامة دين الله وبسط الحقّ. كما ويعتقد غير المسلمين على نحو أو آخر، بمستقبل مشرق للبشريّة، يتحقّق من خلال قضيّة المهدويّة..."..
وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب المسائل: اتفقت الامامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار.
كتاب ..بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٧ - الصفحة ٦٢..وقال النبي صلى الله عليه وآله: الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم القائم (1) طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي، من أنكر واحدا منهم فقد أنكرني. وقال الصادق عليه السلام: من شك في كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر.).....
كذلك فشلت اسرائيل في فهم اهمية التطبيع بالنسبة لمستقبل وجودها، شجع قوى التطرف الديني اليهودي على الظن ان سياسة التطبيع التي وافق عليها بعض العرب الرسميين هي استسلام لوجود ودور وهيمنة اسرائيل.. مما شجع التطرف اليهودي الذي يقوده نتنياهو وحكومته التي توصف بأنها حكومة المتطرفين على رفع منسوب الاعتداءات على الاماكن الدينية في القدس والخليل وغيرها واعلان رغبتها في تدمير المسجد الاقصى مع ما يعنيه هذا المسجد بالنسبة للعرب والمسلمين في العالم.. والفلسطينيين بشكل خاص.. والى زيادة الاستيلاء على الاراضي، والاستيطان بما يخالف اتفاق اوسلو وكافة التفاهمات مع السلطة الفلسطينية.. واستند هؤلاء المتطرفون الى نصوص دينية يهودية تؤكد حق اليهود هذا باعتبارهم شعب الله المختار.. إذاً اسرائيل التي تريد ترسيخ حضورها في وسط العالم العربي والاسلامي كدولة يهودية لا تقيم اعتباراً لكل الامة العربية والاسلامية، وتستهدف تدمير الاماكن المقدسة الدينية الاسلامية (المسجد الاقصى) وغيره من المقدسات.. وقد اطلقت بوضوح بعض الشعارات والعناوين الدينية التي توضح حقيقة الصراع وهو انه ليس صراع ارض وتوطين وحق شعب في بناء وطن.. بل انها حرب دينية تقوم على ابادة كل من يخالفها...وهنا نورد بعض الشواهد:
نماذج من النهج الديني للتطرف اليهودي:
مؤتمر «الانبعاث اليهودي» يعدّ عودة استيطان غزة واقعياً جداً
منحَ وساماً لتلميذ كهانا على أطروحة تروج أن المسلمين أمة قتلة.... رابط الخبر..
قال بن غفير، خلال مشاركته في مؤتمر، “عودة إسرائيل إلى جبل الهيكل” (المسجد الأقصى) الذي عُقد في الكنيست الإسرائيلي “كنت في الأسبوع الماضي في الحرم. صليّت هناك ونحن نصلي في الحرم. أنا المستوى السياسي (الإسرائيلي)، والمستوى السياسي يسمح بصلاة اليهود في الحرم”. في عام 2018 أصبح التمييز ضد الفلسطينيين يتجلى في قانون دستوري كرّس للمرة الأولى إسرائيل "دولة قومية لليهود" حصراً، وعزز القانون أيضاً بناء المستوطنات، كما خفّض مكانة العربية كلغة رسمية....... يُمنع الفلسطينيون فعلياً من الاستئجار في 80% من أراضي دولة إسرائيل نتيجةً لعمليات الاستيلاء العنصرية على الأراضي، ولوجود شبكة من القوانين التمييزية المجحفة بشأن توزيع الأراضي وتخطيطها وترسيمها.
اليهود في انتظار دائم لظهور المسيح "المسيا المنتظر" الذي حين يأتي تَطرح الأرض فطيرًا وملابس من الصوف، وقمحًا حَبُّه بقدر كلاوي الثيران الكبيرة، وفي ذلك الزمن تَرجِع السلطة لليهود، وكل الأمم تَخدم ذلك المسيح وتخضع له، وفي ذلك الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه وثلاثمائة وعشرة تحت سلطته، لكن المسيح لا يأتي إلا بعد انقِضاء حكم الخارجين عن دين بني إسرائيل".... والنص التوراتي يقول : "أنا الرب إلهكم الذي ميَّزكم عن الشعوب، تكونون لي قدِّيسين؛ لأني قدوس، أنا الرب وقد ميَّزتُكم من الشعوب لتكونوا لي. والأمم الخارجة عن دين اليهود ليست فقط كلاباً بل حمير أيضاً، وقال الحاخام (اباربانيل): [الشعب المختار (أي اليهود) فقط يستحق الحياة الأبدية وأما باقي الشعوب فمثلهم مثل الحمير]. ولا قرابة بين الأمم الخارجة عن دين اليهود، لأنهم أشبه بالحمير، ويعتبر اليهود بيوت باقي الأمم نظير زرائب للحيوانات.
الخلاصة..
الصراع الاسرائيلي – الايراني، والذي هو في ظاهره سياسي وترسيخ نفوذ سياسي وامني واقتصادي وتمدد جغرافي.. تطور مع معركة طوفان الاقصى التي اطلقتها حركة حماس في 7 اوكتوبر/تشرين الاول من عام 2023، والتي ما زالت مستمرة الى يومنا هذا، الى ان تصبح حرباً دينية بين مشروعين:
المشروع الايراني: الذي يقوم على تمهيد الواقع السياسي والامني والديني وتمهيد الارض لتستقبل عودة المهدي المنتظر ليحكم العالم..هذا هو الموضوع الاساس.. وليس تحرير فلسطين وعودة الشعب الفلسطيني الى ارضه واستعادة حقوقه..!!
المشروع الاسرائيلي: الذي يستند الى النصوص التوراتية التي تعتبر ان اليهود هم شعب الله المختار.. وان مجيء المسيح الذي ينتظره اليهود هو امر حتمي .. الهدف الاساس بالنسبة لحكام تل ابيب هو تغيير العالم واخضاعه، تنفيذا للنصوص التوراتية، وليس التطبيع مع الدول المجاورة والعيش بسلام مع الدول المجاورة..!!
اذا كليهما يتصارعان على ارض الشرق الاوسط، ونحن في وسطها باعتبارها الارض التي يظهر فيها المسيح المنتظر من قبل اليهود، وهي الارض التي عليها سوف يظهر المهدي المنتظر...!!
وقد اعتمد الفريقين مؤخرا على التحريض الديني واستنهاض المفاهيم والغرائز الدينية لتشجيع الجمهور على تقديم المزيد من التضحيات والقرابين لخدمة مستقبل الامة وهيمنتها الموعودة..
انها حرب دينية بامتياز.. وكافة العناوين السياسية والقرارات الامنية انما تدور حول هذه الثوابت واستنادا الى هذه العقائد.. واخطر ما في الامر انها تعتبر ان من لا يؤمن بها هو خارج اهتماماتها ويحق لها ان تمارس بحقه ما تريد..