بلا أقنعة!
بقلم مراسل نيوز
لقد أخطأت حركة "حماس"، كما أخطأت قيادة (لم يعد معروفاً إذا ما كان هناك قيادة واحدة أو قيادتان وربّما أكثر) الجماعة الإسلاميّة في استعراضهم العسكري المقنّع، والذي رافق حفل تشييع شهدائهم الذين اغتالهم العدوّ الإسرائيلي في قلب الضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت، وذلك على مرأى ومسمع الوتيرة الأمنية العالية لحزب الله.
ما كان يليق بالقائد الراحل صالح العروري ورفاقه في حماس والجماعة كلّ هذه الوجوه المقنّعة (مقنّعين..على من؟) وقد استهدفهم الطيران الإسرائيلي بستّة صواريخ ذكيّة وهم في اجتماع مغلق وخاصّ جدّاً، في مكتب حتى الجيران لا يعرفون ساكنيه أو زائريه..ولا كانت تليق بحجم الشهادة بنادق الكلاشينكوف المرفوعة في وجوه اللبنانيين، ليس إلّا، لأنّه لا دور لها ولا تأثير في الحرب المفتوحة الدائرة مع غزّة، وإنّما يقتصر مفعولها على استعادة ذكرى حرب أهليّة بشعة، لم يبقَ أحد من العقلاء في السياسة اللبنانية (الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي محسن ابراهيم رفيق درب ياسر عرفات وكمال جنبلاط وجورج حاوي..)، وفي السياسة الفلسطينية (القيادة التاريخية لحركة فتح والسلطة الفلسطينية الحاليّة..) إلّا وانتقدها، وانتقد شعاراتها (تحرير القدس يمرّ من جونيه..)، كما انتقد التخلّي الوطني عن قضيّة لبنان لصالح القضيّة الفلسطينية على أحقيّتها وقدسيّتها وعلى هول الظلم اللاحق بشعبها منذ العام 1948.
ما فعلته "حماس" وملحقها المحليّ المستجدّ (قوّات الفجر – الجناح العسكري للجماعة) يشكّل سقطة الى الوراء غير مجدية، ويتناقض تناقضاً حادّاً مع كلّ ما قاله ويقوله ممثلو الحركة في لبنان وفي غزّة بأنّ الردّ على العدوان الإسرائيلي يكون أو لا يكون في أرض الميدان، ومن خارج لبنان أي من خارج أزقّة بيروت وصيدا، بمعنى آخر في أرض القتال في غزّة أو في داخل الكيان الصهيوني!
حتّى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، وهو المعنيّ الأول بحدث الإغتيال كونه قد جرى في عقر داره وكونه قد سبق له أن هدّد بالردّ على أيّ اعتداء إسرائيلي يمكن أن يطال لبنانيّاً أو فلسطينيّاً أو سورياً وإيرانياً فوق الأراضي اللبنانية، تحدّث في خطابه الأخير عن أنّ "الردّ لا بدّ آتٍ..في الميدان حصراً"، مستبعداً بذلك جرّ الداخل اللبناني الى مستنقع الحرب الواسعة مع الجيش الإسرائيلي، حرصاً على الوضع اللبناني كما قال..فكيف يمكن لحركة حماس أن تتجاوز كلّ هذه المحاذير، وتُعيد الى واجهة المشهد اللبناني "السلاح الفلسطيني المتفلّت" بالوجوه المقنّعة وهي مجرّد إستعراضات تشعل حساسيّة تاريخية في الكيان اللبناني دون أن تمسّ بشعرة واحدة الكيان الصهيوني المستهدف؟
لقد تأخّر الجيش اللبناني (المعنيّ الأول بتداعيات الإستعراض) في التحرّك ولو الخجول بتسيير دوريات طوال كورنيش صيدا حيث عبرت قافلة الجماعة الإسلامية المسلحة يوم التشييع، كما تتأخّر السلطة اللبنانية ممثلة بالحكومة (على هشاشتها وتناقضاتها) في احتواء ما جرى من خلال طمأنة الشعب اللبناني بأنّ الماضي الأسود لن يعود، وبأنّ السلاح الفلسطيني لن يتفلّت من جديد، وبأنّ الدولة التي لا تمتلك قرار السلم والحرب، تمتلك على الأقلّ القدرة على ضبط الفلتان في الداخل وعلى منع التجاوزات..وعلى كشف الوجوه المقنّعة!