فيما يتعدى لقاء معراب.. مسؤولية المسيحيين التوسيع لا التصغير
بقلم الكاتب والباحث السياسي ربيع المصري
قبل أيام، انتشرت صورة للدكتور فارس سعيد الى جانب رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل على هامش لقاء حصل صدفة خلال ممارستهما لرياضة المشي أو الهاينكيغ. أحدثت الصورة دوياً في الأوساط السياسية والإعلامية والإجتماعي. كانت مجرد صورة بلا أي موعد مسبق وبلا أي عنوان سياسي. لكن الفراغ السياسي الذي يعيشه لبنان يمكنه أن يفسح في المجال دوماً أمام التحليلات والتخيلات، أو ربما هي حاجة طبيعية لدى الناس في السعي وراء تقاطعات جديدة أو التكهن بها أملاً بتغيير موازين أو قواعد سياسية، خصوصاً أن الرجلين على خصومة سياسية، بعدما جمعهما تحالف سابقاً. بقي فارس سعيد على مبادئه وثوابته وهو الذي لا يكلّ ولا يتعب. فيما غادر باسيل بعيداً بتحالفه مع حزب الله وحالياً عاد بموجب مراجعة سياسية لكل مواقفه السابقة، حيث يجري اعادة قراءة ويسعى للإنفتاح على كل القوى الت تخاصم معها، ويهدف الى تحسين علاقاته العربية.
حتماً، ما دفع باسيل الى الإختلاف مع حزب الله هو منطق سياسي ومصلحة تتصل بانتخابات رئاسة الجمهورية، وهذا ما يدفع خصومه لا سيما على الساحة المسيحية الى مهاجمته باعتبار أنه لا يزال يريد التحالف مع الحزب لكنه يختلف معه على الحصّة أو على المكتسبات. هنا تغرق الناس في الحسابات الضيقة حول الربح والخسارة، وتغوص في موجات من الإتهامات والسجالات التي لا تنتج سوى بعضاً من شعبوية. ولطالما كانت الصراعات بين قوى وفرق الطوائف المختلفة على هذه الشاكلة، وبالأخص بين الموارنة، الذين يسعون الى الغاء بعضهم البعض وإن اتفقوا سعوا الى الغاء الآخرين ولا سيما المستقلين وهذا كان هدفاً من اهداف اتفاق معراب.
بعض الخلافات بين خصوم حزب الله والتيار الوطني الحرّ، تشبه أيضاً نفس المنطق الذين يوجهون فيه الإنتقادات الى باسيل، أي انها تستند على المصلحة الضيقة وخلافات الزواريب والأحياء والمقاعد النيابية وتبتعد عن الرؤية الإستراتيجية، وصولاً الى الإنعتاق نحو خطاب طائفي هدفه شد العصب والتحشيد الشعبوي ولو اقتضى ذلك الحديث عن اللامركزية الموسعة أو الفيدرالية أو التقسيم أو الطلاق في سبيل استقطاب المزيد من المؤيدين. إلا أن هذا المسار لا يسهم في تكبير الدور ولا في تعزيز الحضور، إنما يمعن أكثر في تصغير "الكيان" وضرب أسسه، والقضاء على أي مقوم من مقومات إعادة تشكيل "حركة وطنية" قادرة على المواجهة سياسياً وتستند على تنوع سياسي وطائفي عابر للمناطق والطوائف.
كان يمكن للقاء معراب الذي عقد يوم السبت برئاسة سمير جعجع أن يكون مؤتمراً جامعاً، يحاكي إعادة انتاج وصياغة حركة سياسية جديدة عنوانها استعادة الدولة أو حماية الدولة مروراً بكل القرارات الدولية لا القرار 1701 فقط، ويؤسس لإطلاق استعادة تطبيق الدستور المغيب أو المستهدف في صراعات المناطق والطوائف لحسابات الإنتخابات ولوازمها.
المشكلة مع حزب الله لا تقتصر فقط على عدم تطبيق الـ 1701، لأن الحزب في الأساس يقول إنه مستعد للإلتزام به، طبعاً وفق تصوره الذي أرساه منذ العام 2006 وبغض نظر دولي، لا بل الحزب يريد العودة الى القرار 1701 بناء على تسوية اقليمية وأميركية في مقابل تحصيل المكتسبات في الداخل، وهنا يكون حصر المؤتمر بالـ 1701 قد أطاح بأي مجهود سياسي قبل انطلاقه. إحدى أكبر الخدمات التي تقدم لحزب الله هي مراس خصومه وخلافاتهم وصراعاتهم التي يغلب عليها طابع الشخصانية على العنوان السياسي الجامع.
ما كان يمكن لمعراب أن تحققه في لقائها، هو الدفع باتجاه إطلاق حركة سياسية جديدة في لبنان تشبه حقبة 14 آذار، بتنوعها واتساعها الجغرافي والمناطقي والديمغرافي، ولا يمكن للحل أن يكون في العودة الى التصغير الجغرافي على اساس طائفي في تشكيل الديمغرافيا السياسية. قامت 14 آذار ونجحت في قلب الموازين بالإستناد الى ثلاث قوى اساسية بالمعنى الطائفي، ولا يمكن لطائفة واحدة أن تقوم مقام الجميع، فيما بعد نجح حزب الله في فكفكة "القوة السنية" ضمن مشروع عابر من العراق الى سوريا وصولاً الى لبنان والذي يشهد غياباً سنياً كلياً عن التأثير حالياً، مهمة المسيحيين تفترض بالعمل على استعادة السنّة، لإعادة تشكيل الموازين السياسية، لا العودة الى "القوقعة" أو الذهاب باتجاه مذهبي على حساب المشروع الوطني، لا بد للمسيحيين بمختلف تنوعاتهم السياسية الإعتبار ما حصل معهم سابقاً ومع السنّة تالياً، وأن يعودوا الى ما اضطلع به أسلافهم في التأسيس للعروبة، فيتجهون الى اعادة التأسيس للمواطنة في لبنان، المواطنة التي تكون على صلة بالعرب والعالم.