عريس وتوأمان!
بقلم عبد الحميد عجم
الهبّارية وربّما كلّ لبنان في حزن شديد.لا تصدّقوا أيّ كلام آخر.في حضرة الإستشهاد (وهو موت مؤلم أيّاً تكن التسميات والأسباب) لا يمكن إلّا الخشوع، وذرف دمعتين وأكثر.7 شبّان بعمر الورد سقطوا تحت سقف واحد:أكبرهم، عريس لم يكتمل بعدُ شهر عسله، وتوأمان لا ينفصلان، ولم ينفصلا حتّى في لحظة الإستشهاد:كيف يمكن زفّ الخبر للعروس التي تنتظر عودته على الإفطار، كيف يمكن للأمّ الثكلى أن تتحمّل كلّ هذا الوجع:حسين وأحمد قاسم الشعّار في كفن واحد؟
هول الجريمة وبشاعتها لا يمنع من الوقوف أمام أمرين متلازمين:
الأوّل، أنّ إسرائيل دولة مغتصبة، خارجة على كلّ القوانين الدولية والإنسانية، لا تفرّق بين مقاتل يعدّ صاروخاً للإطلاق وبين مكتب لمسعفين يتأهّبون لإنقاذ مصاب أو نقل جريح أو تأمين الحماية لمدنيين وسط حزام العنف والقتل.العدو الصهيوني لا يميّز، ولم يميّز يوماً بين مدنيّ ومسلّح.كلّ من يتحرّك، حسب تاريخه وأعرافه، هو هدف معادي، لا يتردّد في ملاحقته وقتله، دون شفقة ولا رحمة.إسرائيل نمر جريح، سرعان ما يتحوّل إلى وحش كاسر خارج كلّ القيود والقوانين.بالنسبة لهذا العدو (الغاشم، لا أعرف من أين أتى هذا التوصيف)، طالما أنّ تنظيم الجماعة الإسلاميّة أعلن الجهاد من خلال عمليّات جناحه العسكري "قوّات الفجر"، فقد بات كلّ مركز أو منزل يعود للجماعة هدفاً مباحاً، بما فيه هيئة الطوارئ الإسلامية:فكيف يمكن للجماعة أن تأمن لطائرات هذا العدو التي تجوب الجنوب وسماء لبنان على مدار الليل والنهار، فتفتح مركزها لتجمّعات كبيرة، حيث سقط حوالي 20 إصابة، بينهم 7 شهداء، والباقون جرحى؟ ألم ترَ قيادة الجماعة كيف تطارد وتقتل مسيّرات العدو سيّارات الإسعاف التابعة لحزب الله، وكيف تغتال الصحافيين والصحافيّات من أرض الجنوب إلى أرض قطاع غزّة، وقد بلغ عددهم بالعشرات والمئات؟ أليس الإحتياط واجباً في الهبّاريّة وغيرها من البلدات والقرى، ونحن في مواجهة مصيريّة مع كيان يخوض حرباً وجوديّة:يبقى أو لا يبقى؟ لسنا في مجال لوم الشهداء، ولكنّنا نتساءل فوق نزيف الجرح:لماذا نسترخص دماءنا، طالما نستطيع توفيرها بقليل من الدراية والحكمة والعقل؟
الثاني، ماذا يريد تنظيم الجماعة الإسلاميّة من المشاركة في حرب لم يحدّد هو بدايتها (8 أوكتوبر) وعنوانها (حرب مساندة وإشغال) وأهدافها التي ندرك جميعاً أنّها تصبّ في حساب الراعي الأكبر لمحور الممانعة، أي دولة إيران؟ ماذا تستفيد الجماعة الإسلامية من حرب تُفتح وتُقفل وتشتدّ وتهدأ على وقع حسابات لا تأثير لها فيها، ولا دور إلّا بقدر ما تسمح لها المقاومة الإسلامية صاحبة قرار الحلّ والربط في الجنوب اللبناني، كما لا يمكن لها أن تجني شيئاً من ثمارها؟ فالحروب تُخاض من أجل الوصول إلى نتائج، أو الحصول على مكاسب في السياسة والأرض:فهل يمكن للجماعة، مهما طالت قائمة شهدائها، أن تستثمر (أو تجلس) على طاولة المفاوضات التي لا بدّ أن تدور بين الكبار الكبار، بعد أن يكون الصغار الصغار قد دفعوا الثمن غالياً وغالياً جدّاً؟
غداً، تشيّع الهبّارية شهداءها السبعة.غداً تستعرض قوّات الفجر سلاحها المراقَب والمضبوط تحت أعين حزب الله.غداً يُسجّل في حساب الحزب أنّ الطائفة السنيّة شريكة في الحرب الدائرة..ولكن، نتساءل:ماذا يمكن لقيادة الجماعة أن تقول لأهالي الشهداء، عندما يقرّر حزب الله (وتقرّر طهران) أنّ الوقت قد حان للمفاوضات، وأنّ الوقت قد حان لضبضة السلاح..ولا مكان لها، كطرف مقاتل، على طاولة البحث في تقاسم الأرباح؟ ربّما، كلّ ما تستطيع فعله هو أن تتذكّر وتفتخر بشهدائها..ونحن نفتخر، ولكن مع الكثير من الغصّة والندم!