الدستور اللبناني والطائف: أمل في النهضة أم بوابة للأزمات؟
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم
لبنان، هذا الوطن الصغير في حجمه والكبير بتاريخه، يعاني من أزمات سياسية واجتماعية متكررة بسبب تداخل المصالح الطائفية والسياسية. في ظل هذه التحديات، يُعتبر الدستور واتفاق الطائف ركيزتين أساسيتين لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية. ولكن، هل تُطبّق هذه النصوص كما كُتبت؟ أم تُستخدم كأدوات لتثبيت المصالح الخاصة؟
الإنماء المتوازن: بين الطموح والواقع
ينص الدستور اللبناني على ضرورة تحقيق إنماء متوازن بين المناطق، لكن الحقائق على الأرض تُظهر تهميشًا مستمرًا للمناطق الطرفية مثل عكار والبقاع، التي تعاني من فقر بنيوي وغياب الخدمات الأساسية. وفقًا لتقارير دولية، تشهد هذه المناطق معدلات فقر تتجاوز 50%، في حين تحظى مناطق أخرى بخدمات متميزة وبنية تحتية متقدمة
تبني خطة تنمية وطنية شاملة تعتمد على توزيع عادل للموارد وتطوير المناطق المهمشة من خلال شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص.
إنشاء صندوق تنموي مستقل يركز على المناطق الطرفية بآليات رقابة شفافة.
الميثاقية: أداة توافق أم عائق للتقدم؟
الميثاقية، التي أُنشئت لضمان التوازن بين الطوائف، أصبحت في كثير من الأحيان أداة تعيق اتخاذ القرارات الحاسمة، ما يؤدي إلى تعطيل مسيرة الإصلاح. أظهرت دراسات أن الطائفية السياسية تُفاقم الأزمات وتجعل النظام السياسي عرضة للمزيد من الانقسام
إعادة تعريف مفهوم الميثاقية بما يخدم مصلحة الوطن ككل.
تعزيز مفهوم المواطنة كبديل للطائفية في اتخاذ القرارات الكبرى.
القضاء: استقلالية مفقودة أم أداة للنفوذ السياسي؟
على الرغم من النصوص الدستورية التي تضمن استقلال القضاء، إلا أن هذا القطاع يواجه تدخلات سياسية تعرقل العدالة وتزيد من عدم الثقة بين المواطنين والدولة.
إنشاء هيئة رقابية قضائية مستقلة تشرف على تعيين القضاة بعيدًا عن التأثيرات السياسية.
تطبيق قانون استقلال القضاء بشكل صارم.
مجلس شيوخ ومجلس نواب غير طائفي: حلم واقعي أم فكرة مؤجلة؟
طرح إنشاء مجلس نواب غير طائفي ومجلس شيوخ لتمثيل الطوائف كأحد الحلول الأساسية لإلغاء الطائفية السياسية. لكن، مع تعمق الأزمات الحالية، يبقى التنفيذ بعيد المنال.
البدء بخطوات تدريجية مثل تعديل القانون الانتخابي ليعكس تمثيلًا نسبيًا لكل الفئات بعيدًا عن المحاصصة.
توعية المجتمع بأهمية دور مجلس الشيوخ كمؤسسة لحفظ التوازن الطائفي دون المساس بالمبادئ الوطنية.
إلغاء الطائفية السياسية: خيار للمستقبل أم قفزة في المجهول؟
إلغاء الطائفية السياسية يُعد من أهم بنود اتفاق الطائف، لكنه يظل هدفًا بعيدًا في ظل التركيبة الحالية. تشير تقارير إلى أن الطائفية تُفاقم الفساد وتقوض أي مساعٍ نحو الإصلاح الجاد
البدء بمرحلة انتقالية تُركز على بناء نظام مدني تدريجي.
تطبيق برامج توعية شاملة لتعزيز مفهوم المواطنة وحقوق الفرد.
اللامركزية الإدارية: تحسين الإدارة أم تعميق الانقسامات؟
اللامركزية الموسعة تُطرح كحل لتحسين إدارة الدولة وتعزيز التنمية المحلية، لكنها قد تتحول إلى أداة تُفاقم الانقسامات إذا لم تُطبق بشكل صحيح.
وضع إطار قانوني متين للامركزية يُحدد صلاحيات السلطات المحلية.
توفير ضمانات تمنع استغلالها لتكريس النفوذ الطائفي والمناطقي.
لبنان عند مفترق طرق
لبنان يقف اليوم على حافة خيارين: إما مواصلة الدوران في فلك الأزمات أو الشروع في إصلاح حقيقي يعيد ثقة المواطن بدولته. الحل لن يكون بمجرد تعديل النصوص، بل يتطلب تغييرًا جذريًا في الذهنية التي تدير النظام السياسي والاجتماعي. يبدأ هذا التغيير بإعادة قراءة اتفاق الطائف والدستور برؤية وطنية تُركز على بناء دولة المواطنة، حيث يكون الولاء للوطن أولًا.
"هل يمكن للبنان أن يعيد اكتشاف نفسه ويضع أقدامه على مسار الإصلاح؟" الإجابة ليست في النصوص بل في الإرادة."