لبنان في نظام التفاهة.. السقوط والفساد
بقلم الكاتب و الباحث السياسي ربيع المصري. خاص مراسل نيوز
يمكن لكتاب "نظام التفاهة" للفيلسوف الكندي "آلان دونو" أن يكون كتاب "الألفية". عملياً يختصر دونو حالة الإنحطاط التي آلت اليها المجتمعات السياسية والإعلامية وما يتصل بالشأن العام.فهو يعتبر في الكتاب أن "التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام، لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم ، ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء، بكل تفاهتهم وفسادهم؛ فعند غياب القيم والمبادئ الراقية، يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيماً؛ إنه زمن الصعاليك الهابط". ويضيف أنه كلما تعمق الإنسان في الإسفاف والابتذال والهبوط كلما ازداد جماهيرية وشهرة. الأهم بالنسبة الى "دونو" أن مواقع التواصل نجحت في ترميز التافهين، حيث صار بإمكان أي جميلة بلهاء، أو وسيم فارغ أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين، عبر عدة منصات تلفزيونية عامة، هي أغلبها منصات هلامية وغير منتجة، لا تخرج لنا بأي منتج قيمي صالح لتحدي الزمان !!
لا بد من الإرتكاز على نظريات هذا الفيلسوف للتعبير عن حالة التفاهة السياسية المعاشة على مستوى العالم، خصوصاً في ظل نظرية شمولية التسليع لكل ما له علاقة بالشؤون العامة أو الخاصة، فأي موقف أصبح يرتبط بكسب المزيد من المشاهدين أو المراقبين على وسائل التواصل الإجتماعي، ما يعني أن الموقف أصبح سلعة تباع وتشرى الغاية منها الكسب المعنوي أو المادي. في معيار التسليع هذا تتحول السياسة ومواقفها الى سلعة، ويتقدم أصحاب الرساميل أو العاملين في مجالات التجارة والأموال الى المشهد على حساب المثقفين وهذا ما يبرر اقتحام رجال الأعمال والمتمولين مجالات السياسة والقيادة على مستوى العالم على حساب الإختصاصيين.
تنطبق نظرية دونو على المجتمعات العالمية بأسرها، ولكن يمكن تخصيص جزء كبير منها الى لبنان، والذي يجتاح فيها رجال الأعمال عوالم السياسة، ويجتاح فيه باعة المواقف وسائل التواصل الإجتماعي وغيرها. فتتحول السياسة الى عملية شراء الذمم، تماماً كما هو الحال بالنسبة لأحد كبار رجال الأعمال البارزين والذي يصول ويجول في علاقاته اللبنانية والسورية والفرنسية وغيرها في السعي للحصول على "دفاعات" من قبل أشخاص يطلقون مواقف متتالية على وسائل التواصل الإجتماعي. فالرجل صاحب اليخوت أساءه انتقادات سعودية وجهت للمسؤولين اللبنانيين على الإستمرار في طلب المساعدة أو التسول من السعودية ومن غيرها من دول بينما لبنان يحتوي على المئات من اصحاب المليارات الذين يمتلكون ثروات ويخوت. استاء الرجل مما سمع فاختار شراء من يدافع عنه، ليخرج المدافع مطالباً بتوزيع ثروة السعودية والأمير محمد بن سلمان على العرب، ضمن نظرية هشة لا أساس لها تطمح دوماً الى السطو على ثروات الآخرين تحت ذريعة أن الثروات السعودية هي ملك للعرب وليست ملكاً للسعودية.
كانت هذه إحدى القصص البسيطة من قصص كثيرة يحاكيها الفيلسوف الكندي آلان دونو والتي يبدو أن لبنان يشكل حقلاً بارزاً للتجارب في مضمارها تعبيراً عن السقوط السياسي والأخلاقي وتعميم حالة التفاهة السياسية، بالإضافة الى كل ما يخدش الذوق العام فكرياً أو ثقافياً. لربما تفرض حالة الإنحدار والإنحطاط القائمة، إعادة النظر في آلية تشكيل المؤسسات والمنظمات الدولية، ولا بد من تشكيل هيئة دولية عامة ناظمة لمتعاطي الشأن العام، يتولى فيها متخصصون نفسانيون إجراء فحوصات نفسية لمن يريد الدخول الى مجالات العمل في الشأن العام أو التأثير في المجتمعات للحصول على شهادة توازن نفسي وعقلي. تماماً كما كان الحال سابقاً أمام أي فنان يريد دخول مجال الغناء كان يخضع لفحوص من قبل لجان فاحصة.