صندوق النقد «يلغي» السرية المصرفية في لبنان

صندوق النقد «يلغي» السرية المصرفية في لبنان

أقرّ مجلس الوزراء في جلسته أمس، مشروع قانون لتعديل السرية المصرفية، وفق ما هو مطلوب من صندوق النقد الدولي. هذا التعديل جاء بعد تعديلات سابقة اعتبرها الصندوق غير كافية. وهو تعديل يحتاج إلى إصداره بقانون في مجلس النواب ليصبح نافذاً، وبموجبه صار بإمكان مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، طلب معلومات من المصارف عن أصحاب الحسابات المَدينة والدائنة والتي كانت محمية بموجب قانون السرية المصرفية، وأيضاً صار بإمكانها تبادل هذه المعطيات، على أن يكون ذلك بمفعول رجعي يعود إلى تاريخ 28/10/2022 في ما يختصّ بالأعمال المتعلقة بإعادة هيكلة القطاع المصرفي. مسوّدة المشروع تحمل دلالة بالغة على الوصاية التي أنتجت هذا التعديل، إذ إنه يرد في البناءات: «بناءً على اقتراح وزير المالية بعد التشاور مع الوفد المفاوض مع صندوق النقد الدولي».

في الأسباب الموجبة التي أعدّتها وزارة المال، ورد أن «صندوق النقد الدولي يرغب في إطلاق يد الرقابة والسلطة النقدية في المتابعة والتدقيق لكل الحسابات دون قيد أو شرط وبالشكل المناسب لمهام مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف». كما ورد أيضاً في الأسباب الموجبة ما يشبه تبرير الأمر وفق الآتي: نبقى حريصين على الاستقرار التشريعي ووجوب التوضيح لجهة المفعول الرجعي لأي تعديل، لذلك، وبعد الاطّلاع على اقتراح رئيس لجنة الرقابة على المصارف بتاريخ 22/9/2024، والذي يقترح تعديل المادة 150 من قانون النقد والتسليف وبمفعول رجعي، فإننا نقترح أن يكون التعديل في المادة 7 (هـ) من قانون السرية المصرفية والمادة 150 من قانون النقد والتسليف».

وبحسب نصّ التعديل المُقترح، فإنه سيتم تعديل الفقرتين من (هـ) (و) من المادة 7 من قانون السرية المصرفية التي تفرض على المصارف تقديم جميع المعلومات المطلوبة «فور تلقّيها» من مجموعة من الجهات: القضاء المختصّ، هيئة التحقيق الخاصة، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الإدارة الضريبية بهدف مكافحة التهرّب الضريبي والالتزام الضريبي والتدقيق، مصرف لبنان، لجنة الرقابة على المصارف، والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع.

ومن أجل إعادة هيكلة القطاع المصرفي والقيام بالأعمال الرقابية عليه، يمكن لهذه الجهات «أن تطلب معلومات محمية بالسرية المصرفية من دون تحديد حساب معيّن أو عميل معيّن، بما في ذلك إصدار طلب عام بإعطاء معلومات عن جميع الحسابات والعملاء من دون أسمائهم. إلا أن هذه الطلبات تبقى قابلة للاعتراض أمام قاضي الأمور المستعجلة من قبل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المعنيّين بها، ويكون الاعتراض بدوره خاضعاً للأصول المقرّرة بشأن الأوامر على العرائض».

وبالتوازي، يقترح مشروع القانون تعديل المادة 150 من قانون النقد والتسليف لتصبح على النحو الآتي: «تُرفع السرية المصرفية بشكل كامل وغير مقيّد تجاه كل من مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وأي طرف يتم تكليفه بمهام تدقيق أو رقابة من قبل أيّ منهما، وذلك في إطار ممارسة عمل الرقابة والتدقيق أو القيام بأي دور آخر منوط بأيّ منهما في أيّ من القوانين الصادرة أو التي قد تصدر، ويشمل رفع السرية المصرفية عن الحسابات الدائنة أو المَدينة، داخل أو خارج الميزانية، وعن أي سجلّات ومستندات ومعلومات عائدة إلى شخص معنوي أو حقيقي يتعامل مع أيّ مصرف أو مؤسسة خاضعة للرقابة بما فيها تلك المحمية بالسرية المصرفية تجاه أطراف أخرى مع تطبيق بأثر رجعي إلى تاريخ صدور القانون الرقم 306 تاريخ 28/10/2022 في ما يختصّ بالأعمال المتعلقة بإعادة هيكلة القطاع المصرفي ومن تاريخ صدور هذا القانون في ما يتعلق بالمهام الرقابية العادية أو المهام التي يحدّدها كل من مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف خطياً مع كل مهمّة.

ويمكن للجهات المذكورة تبادل المعلومات في ما بينها لهذه الغاية. وتُحدد عند الاقتضاء دقائق تطبيق هذا القانون بقرارات تصدر عن وزير المالية».

وكانت المادة 150 من قانون النقد والتسليف قد عُدّلت بموجب القانون 306 ونصّت يومذاك على أن «لا يحق لمراقبي المصرف المركزي، في أيّ حالة، أن يُلزموا مديري المصارف بإفشاء أسماء زبائنهم، باستثناء أصحاب الحسابات المَدينة، كما لا يحقّ لهم الاتصال بأي شخص غير مدير المصرف المسؤول. يمكن المصارف أن تنظّم حساباتها بشكل لا تظهر فيه أسماء الزبائن باستثناء أصحاب الحسابات المَدينة. ويُحظر تحظيراً باتاً على مراقبي المصرف المركزي، بمناسبة ممارستهم رقابتهم أن يستطلعوا أيّ أمر من الأمور ذات الصفة الضرائبية أو أن يتدخّلوا فيها أو أن يخبروا عنها أيّ شخص كان...».

عملياً، لم تعد هناك أيّ سرية مصرفية تجاه أصحاب الحسابات الدائنة (المقترضين) وبات بإمكان مصرف لبنان أو من يكلّفه، أو لجنة الرقابة أو من تكلّفه، الاطّلاع فوراً من المصارف على هذه الحسابات. ولم يعد ممكناً استعمال هذه المادة من أجل الامتناع عن كشف التهرّب الضريبي.

بمعزل عن أهمية هذه المادة، إلا أنه من الواضح، أنها لم تكن لِتُقَرّ لولا ضغوط صندوق النقد الدولي في هذا التوقيت بالتحديد، أي مع العهد الجديد، ولا سيما أن التعديلات السابقة التي أُجريت بموجب القانون 306 لم تستوفِ ما طلبه الصندوق في الفترة الماضية، أي إن الممانعة تجاه اتخاذ إجراء كهذا كانت أقوى من اليوم بكثير، بينما أمس أُقرّ التعديل المطلوب في مجلس الوزراء بسلاسة ومن دون أيّ نقاش.

الكل بات يسير في ركب الضغوط الدولية من دون اعتراض، حتى إن مسوّدة مشروع المرسوم تستند في بناءاتها إلى «اقتراح وزير المالية بعد التشاور مع الوفد المفاوض مع صندوق النقد الدولي». هذا النوع من الوصاية قد يمنح لبنان بعضاً من الإصلاحات، لكنه ليس سوى إصلاح بسيط جداً في بنية نظام مهترئ ويتداعى أكثر فأكثر، وقد تكون كوارثه كبيرة في مراحلة مختلفة عندما تكون هذه «الإصلاحات» موجّهة لخرق السيادة اللبنانية أو ذات أهداف سياسية خارجية. هذا الإجراء هو شرط استباقي من الصندوق للمضي قدماً في المفاوضات بشأن برنامج قرض مع لبنان.