نواف سلام يشعل الملف الأخطر: رئيس حكومة يواجه الطائفية السياسية من قلب النظام
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

لأول مرة منذ اتفاق الطائف، رئيس حكومة يضع إلغاء الطائفية السياسية على جدول العمل الوطني.
في لبنان، الدولة القائمة على موازين دقيقة وهواجس متبادلة، نادراً ما يجرؤ مسؤول رسمي على الاقتراب من بند "إلغاء الطائفية السياسية". هذا البند، رغم وروده بوضوح في اتفاق الطائف، بقي في الأدراج، مؤجَّلاً، مسكوتًا عنه. أما اليوم، فقد كُسرت هذه القاعدة. رئيس الحكومة نواف سلام فتح الملف، ووضعه على الطاولة كأحد أولويات حكومته، لا كشعار سياسي بل كمشروع عمل.
سلام لم يتحدث عن طموحات فضفاضة، بل أشار بوضوح إلى ضرورة مناقشة هذا البند ضمن مسار متكامل يشمل إقرار اللامركزية الإدارية الموسعة، وإنشاء مجلس شيوخ، بما يحترم ميثاق العيش المشترك ويحفظ خصوصية المجتمع اللبناني. إنها مقاربة متوازنة، لا تستفز أحدًا، لكنها لا تساير أحدًا أيضًا.
الطائفية السياسية: نظام مأزوم لا ضمانة
يعرف سلام جيداً أن الطائفية السياسية لم تعد نظام توازن، بل أصبحت نظام شلل. تحوّلت من ضمانة ميثاقية إلى عائق حقيقي أمام قيام دولة مدنية حديثة. والتجربة أثبتت أن كل محاولات الإصلاح تنهار عند عتبة الحسابات الطائفية.
لهذا، فإن مقاربة نواف سلام ليست مجرّد تحدٍّ للنظام، بل محاولة عقلانية لكسر الحلقة المفرغة التي تُبقي لبنان في حالة انهيار دائم.
كي لا تبقى المبادرة مجرّد عنوان، لا بد من خطوات عملية ترافق هذا الطرح، منها:
تشكيل هيئة وطنية انتقالية تعمل على إعداد خطة تدريجية لإلغاء الطائفية السياسية، بإشراف مباشر من رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية.
إقرار قانون جديد للأحزاب يمنع الخطاب الطائفي، ويشجع التعددية المدنية والسياسية.
.تفعيل اللامركزية الإدارية والمالية لمنح كل منطقة دورها في التنمية، دون اللجوء إلى التطييف.
إنشاء مجلس الشيوخ كإطار يحفظ تمثيل المكونات الطائفية، ويتيح تحرير مجلس النواب من التوزيع الطائفي.
إدخال التربية المدنية إلى المناهج التعليمية بشكل جدي، لتنشئة جيل يؤمن بالمواطنة، لا بالمحاصصة.
من المؤكد أن المشروع سيواجه اعتراضات. هناك من يرى في الطائفية حماية، وهناك من يربطها بتوازنات إقليمية وديموغرافية معقّدة. لكن الإصلاح الحقيقي لا يتمّ من دون مواجهة. ونواف سلام اختار المواجهة من موقع المسؤولية، لا من موقع التحدي.
سلام ليس حالمًا. لا يطرح انقلابًا على الصيغة اللبنانية، بل يسعى إلى تطويرها بما يتماشى مع تطلعات اللبنانيين لدولة حديثة تحترم التعدد وتحمي الحقوق، دون أن تبقى أسيرة التوازنات الطائفية الهشّة.
نواف سلام فتح الباب. السؤال اليوم: هل من يجرؤ على الدخول؟
الكرة في ملعب القوى السياسية والمجتمعية. إمّا أن تشارك في صنع التحوّل، أو تتحمّل مسؤولية استمرار الانهيار.
لبنان بحاجة إلى قيادة تتجرأ على كسر الجمود، وتفتح الباب نحو دولة مدنية عادلة. ونواف سلام قد يكون أول من وضع الخطوة على الطريق الصحيح.