سقطة" حماس!

بقلم مراسل نيوز

سقطة" حماس!

ما أن أصدرت حركة المقاومة الإسلامية – حماس في لبنان "بيانها اللبناني الأولّ" بعد عملية "طوفان الأقصى" وتداعياتها المستمرّة على غزّة وأهالي غزّة، تحت عنوان الدعوة الى إطلاق "طلائع طوفان الأقصى" حتى طافت الردود السلبيّة الشاجبة لما جاء في البيان من إمكانيّة إستعمال الأراضي اللبنانية كمنطلق للعمل العسكري المسلّح وغير المسلّح "تأكيداً لدور الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، في مقاومة الإحتلال بكلّ الوسائل المتاحة والمشروعة، واستكمالاً لما حقّقته عملية طوفان الأقصى..وذلك في سبيل تحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك" كما جاء حرفيّاً في نصّ البيان.

بيان حماس، الذي حاولت فيما بعد التبرّؤ منه بالقول أنّه "فُهم خطأ، وأنّ المقصود ليس تنظيماً عسكريّاً، وليس أيّ فعل مقاوم في لبنان.." نكأ جراح جميع اللبنانيين، وفتح المواقف والمخاوف على مصراعيها من إستذكار للحرب الأهليّة وما رافقها من ويلات لا تزال تحفر في الواقع اللبناني الراهن، من "فتح لاند" في الجنوب التي أغرقت البلد في حروب مفتوحة مع إسرائيل، الى مقولة "طريق القدس تمرّ من جونيه" في استعادة للحرب الأهلية التي اتّخذت طابعاً طائفيّاً بسبب احتضان الطوائف الإسلامية للقضية الفلسطينية وللعمل العسكري الفلسطيني من لبنان، مقابل رفض الجبهة اللبنانية الممثّلة للأحزاب المسيحية للسلاح الفلسطيني، والذي انتهى بمحطّتين تاريخيتين:

-الأولى، الإجتياح الإسرائيلي للبنان وصولاً الى احتلال العاصمة بيروت، ما أدّى الى خروج منظّمة التحرير من لبنان متوجّهة الى تونس، والى انطلاق "المقاومة الوطنية" من قبل أطراف الحركة الوطنية، آنذاك.

-الثانية، ولو جاءت متأخّرة، تمثّلت في النقد الذاتي الشهير للأمين العام الراحل لمنظمة العمل الشيوعي محسن ابراهيم في تقييمه اللاحق لتجربة الحركة الوطنية اللبنانية وعلاقتها بمنظّمة التحرير الفاسطينية، من حيث تغليب الشأن الفلسطيني على الشأن الوطني اللبناني، ما أسقط البلد في أتون حرب أهلية خاسرة!

ورغم البيان التبريري لحركة حماس حول مقاصدها "البريئة أو غير البريئة"، فقد تصاعدت حدّة التساؤلات حول ما يمكن تسميته "سقطة حماس" في الساحة اللبنانية، وكأنّها غير مكتفية أو مقتنعة بحدود الدعم الذي يقدّمه مقاتلو حزب الله إنطلاقاً من جبهة الجنوب للحرب المشتعلة في شمال وجنوب غزّة..فما هي أبرز هذه التساؤلات المشروعة والمقلقة:

-هل نحن اليوم على أعتاب مرحلة جديدة مشابهة لمرحلة السبعينات حين سيطرت حركة فتح (بعد أيلول الأسود في الأردن) على قسم من الجنوب تحت إسم "فتح لاند"، حيث تسعى حماس لتكرار التجربة تحت عنوان "طلائع طوفان الأقصى" ما يعني أنّ البلد أمام استباحة جديدة لقسم من أراضيه وحدوده الجنوبية بمسمّى "حماس لاند"، كتعويض محتمل عن إضطرار قيادات حماس والجهاد الإسلامي للخروج من قطاع غزّة تحت ضغط الألة العسكرية الإسرائيلية، بما يكرّر مشهديّة خروج القائد الراحل ياسر عرفات ومقاتليه من عمّان الى بيروت؟

-لماذا اختارت حماس لبنان دون غيره من دول الشتات الفلسطيني مثل سوريا الأسد مثلاً (أليس هو حليف الممانعة الأول؟) ومثل الأردن.وهل تجرؤ حركة "حماس" على اللعب في الداخل السوري والداخل الأردني، كما تسرح وتمرح في الساحة اللبنانية من خلال البيان الأوّل الصادم أو من خلال البيان الثاني التبريري؟

-هل شعار "وحدة الساحات" ينطبق فقط على الساحة اللبنانية؟ أليس يكفي ما يقوم به حزب الله من مصادرة قرار الدولة في "الحرب والسلم"، مقدّماً عشرات الشهداء، وقد ناهز عددهم التسعين في أقلّ من شهرين على اندلاع المعارك في الجنوب؟ وفي السياق نفسه، لماذا لا تنضمّ الساحة السورية الى هذه "الوحدة" علماً بأنّ لها الجولان المحتل، وفوق أراضيها عشرات القواعد العسكرية لإيران وحزب الله وباقي الفصائل الشيعية المستوردة؟

-أين ستكون "الأرض" التي ستشهد تجميع "الشباب والرجال الأبطال" كما جاء في البيان؟ إذا كان ذلك في المخيّمات، فهذا يعني أنّنا أمام حروب صغيرة متنقّلة من مخيّم إلى آخر تماماً كما يجري في مخيّم عين الحلوة..وإذا كان في الجنوب فهذا يعني أنّ لبنان قد تحوّل الى "غزّة بديلة" مع ما يحمله ذلك من دمار وخراب نشهده بأمّ العين في خان يونس وبيت لهيا وباقي الأحياء والمناطق الغزّاوية:فهل حزب الله في هذا الوارد، وهل تتحمّل بيئته الحاضنة تجربة "حماس لاند" وهي التي سبق لها أن قابلت الخلاص من "فتح لاند" برشّ الأرز والورود على جيش الإنقاذ الإسرائيلي في تلك الحقبة السوداء من العلاقات اللبنانية – الفلسطينية؟

حماس سقطت في لبنان.وإذا كانت قيادتها تعتقد أنّ شعاراتها الوجدانيّة المؤثّرة (تحرير القدس وتحرير المسجد الأقصى) ستوفّر لها "بيئة سنّية حاضنة" فهي واهمة.فلا الطائفة السنّية جاهزة لدفع هذه التكلفة الغالية، ولا باقي الطوائف اللبنانية (بما فيها أهل الجنوب) بوارد تكرار أخطاء الماضي القريب، ولا الدول العربية مستعدّة لهذا النوع من المغامرات غير المحسوبة، بدءً من المملكة السعودية ودول الخليج، وصولاً الى مصر راعية "إتّفاق القاهرة" المشؤوم!