التيه المسيحي!
بقلم مراسل نيوز
إذا كان لكلّ طائفة في لبنان صفة تغلب على أداء مجموعاتها، كالضعف عند السنّة، والشعور بفائض القوّة عند الشيعة والحياد عند الدروز، فإنّ ما يمكن إطلاقه على المجموعات المسيحية المتناحرة، إنّما هو "التيه المسيحي".
بالأمس، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أخذ به الهذيان الى حدّ اعتبار كلّ ما يدور في الكون، إنّما يدور نكاية به، وبشيء من التواضع كان يضيف التيار الوطني الحر.هو يحارب العالم منفرداً، كما يحارب الفساد والمفسدين في الأرض على اعتبار أنّ العونيين هم ملائكة هذا الكون، وكلّ ما غيرهم شياطين وأبالسة ويكيدون المكائد للإيقاع به.نسخة مشوّهة وأكثر حيلة، من الجنرال ميشال عون:كيف التقيا من طينة واحدة في المصاهرة..الله وأعلم.ربّما هي ساعة التخلّي التي أصابت هذا البلد الصغير!
خسر المسيحيون موقع رئاسة الجمهورية إلى غير رجعة، ولو انتخب فيما بعد رئيس يحمل الهوية المارونية.بات لقمة سائغة في أفواه المتدّخلين شرقاً وغرباً، وفي أفواه القوى المحلية القادرة على الربط والحل، وقادرة على التعطيل المديد.وما حديث باسيل عن بطولاته في مواجهة المبعوث الفرنسي لو دريان سوى عبث بمصير البلد ومصير الناس ومصير ما هو قادم على المنطقة وعلى لبنان!
وكما خسروا موقع حاكمية مصرف لبنان، أي أعلى سلطة ماليّة في البلد، والتي كانت إحدى محطّات العزّ في التاريخ الإستقلالي، والتي توّجها ذات مرّة حاكم المصرف المركزي آنذاك الياس سركيس (قبل أن ينتخب رئيساً للجمهورية) بشراء كميّات من السبائك الذهبية التي طالما شكّلت حماية مادّية لليرة اللعملة الوطنية وللإقتصاد المحلّي، ها هم يستعدّون بعيون مفتوحة لخسارة الموقع العسكري الأول في البلد، أي قيادة الجيش، لا لشيء سوى لأنّ باسيل يرى أنّ العماد جوزيف عون قد "خان الأمانة"، والأمانة وفق رؤية باسيل وما يمثّل هو الولاء الأعمى لمن أتى به قائداً للجيش، وليس لأنّه مثلاً قد اقترف إثماً بحقّ الوطن ومصالح المواطنين.
وكما تلقّف رئيس المجلس النيابي نبيه برّة "كرة" حاكمية المصرف المركزي من خلال تسلّم النائب الأول لرياض سلامة (وسيم منصوري) زمام الأمور، ها هو وليد جنبلاط يتلقّف بدوره "كرة" قيادة الجيش لصالح رئيس الأركان وفق ما تنصّ عليه القوانين المرعيّة، بعد أن أُعطيت القيادات المسيحية كلّ الفرص المتاحة للتمديد للقائد الحالي، أو لتعيين قائد جديد، ولكنّها (أي القيادات المسيحية)، من البطريرك الراعي الى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب، أصرّت على أولويّة الصراع فيما بينها، ولو أدّى ذلك (وسيؤدّي) الى خسارة موقع قائد الجيش تحت عنوان طويل عريض هو "حقوق المسيحيين".
ميشال عون، حتّى يصل الى بعبدا، سلّم مقاليد الجمهورية الى حزب الله، بعد أن عطّل البلد طوال سنتين و7 أشهر، غير مبالٍ بمدى إنهاك الإقتصاد وبالضرر اللاحق بمصالح اللبنانيين.جبران باسيل يتابع خطى "المعلم" بتفوّق:الفراغ الرئاسي في سنته الثانية، حاكمية المصرف انتقلت الى الطائفة الشيعية، قيادة الجيش في طريقها الى الطائفة الدرزيّة..ولا يرفّ له جفن، بل يعقد المؤتمرات الصحافية، بابتسامته الصفراء، يصول ويجول في الكلام عن حقوق الطائفة وعزّتها ومجدها الذي لا يزول، والذي لا يقوم إلّا على كتفيه حصراً.
ما نجنيه جرّاء العبث الباسيلي المستمر هو الضياع الحاصل في كيفيّة تمرير التمديد لقائد الجيش:في الحكومة حيث يسهل الطعن بالقرار، أو في مجلس النواب حيث يجد نبيه برّي فرصته لكسر ممانعة عقد جلسات تشريعية في ظلّ الفراغ الرئاسي..أو في الوصول الى الحضن الجنبلاطي بعد أن تردّد فيما فيما مضى في تلقّف "كرة النار" إرضاء لبكركي وتفضيلاً لعدم تحمّل مسؤولية الجيش في هذه المرحلة الشديدة التعقيد؟
المسيحيون يلعبون من جديد ويخسرون..بانتظار ندم جديد على ما قد يخسرونه، ولن يعود.ولو عاد، فلن يكون كما كان!