طرابلس تحت النار: الأمن المفقود وصراع النفوذ السياسي
بقلم: ليندا المصري – رئيسة التحرير

طرابلس.. المدينة التي تحولت إلى ساحة مفتوحة للفوضى، حيث لا صوت يعلو فوق الرصاص، ولا أمن يضمن للناس حياتهم اليومية. أيُّ مدينة تُترَك لمصيرها بهذه الطريقة؟ أيُّ مدينة يُترك فيها المواطن ضحيةً لعبث السلاح وغياب الدولة؟
لقد اعتاد الطرابلسيون على مشهد الفوضى، كأنه قدر مكتوب عليهم لا يمكن تغييره. سرقات، نشل، اشتباكات مسلحة، وتسيّب أمني، كل ذلك بات مشهدًا يوميًا، فيما الدولة تقف عاجزة أو غير مكترثة. فهل كُتب على طرابلس أن تبقى رهينة لهذا المصير، بينما تتوالى الحكومات، وتتغير الوجوه السياسية، ولا شيء يتغير على الأرض؟
مع دخول شهر رمضان المبارك، كان الطرابلسيون يأملون أن تحلّ أجواء الطمأنينة والسكينة، لكن الواقع جاء مخيبًا للتوقعات. ارتفعت وتيرة الاشتباكات، وانتشرت العصابات أكثر من أي وقت مضى، وبات التنقل في المدينة بعد الإفطار مغامرة محفوفة بالمخاطر. ففي يوم واحد جاءت الحصيلة كالآتي :
عدد المشاكل: 11
عدد الجرحى: 7
عدد القتلى: 1
عدد السرقات: 3 سرقات من داخل حقائب نساء في الاسواق
عدد حوادث النشل: 1
عدى عن اصوات الرصاص
وفي مفارقة صارخة، تعيش المدينة أيضًا حالة اقتصادية نشطة، فالمقاهي مزدحمة، الأسواق تعج بالمتسوقين، والأفران التاريخية تعمل بلا توقف، لكن هذا المشهد الجميل يُشوَّه بحالة الفوضى الأمنية التي تُلقي بظلالها الثقيلة على كل شيء.
كيف يمكن لمدينة أن تستعيد حياتها الطبيعية، وهي محاصرة بالخوف؟ كيف يمكن أن تنعش اقتصادها، بينما السلاح يهدد كل شارع وزاوية؟
المسؤولية ليست فقط على الأجهزة الأمنية التي فقدت السيطرة، بل على الدولة بأكملها، وعلى رأسها دولة الرئيس نواف سلام ومعالي وزيرة الداخلية أحمد الحجار.
أين أنتم مما يجري؟ هل يُعقل أن تبقى مدينة بهذا الحجم، وهذا التاريخ، تعيش تحت رحمة السلاح الخارج عن السيطرة؟ هل يعقل أن يبقى المواطن الطرابلسي بلا حماية، بلا أمن، بلا دولة؟
لكن الأخطر من ذلك، أن بعض الخارجين عن القانون لم يعودوا مجرد مجرمين عاديين، بل تحولوا إلى أدوات في يد بعض النواب والسياسيين الذين يوفرون لهم الحماية والغطاء السياسي.
هؤلاء الذين يتعاملون مع أمن طرابلس وكأنه ورقة انتخابية، يبيعون استقرارها مقابل مكاسب سياسية، ويتسترون على الفوضى لضمان نفوذهم. هؤلاء ليسوا ممثلين عن المدينة، بل متواطئون في الجريمة، شركاء في الفوضى، ومسؤولون عن كل قطرة دم تُسال في شوارع طرابلس.
فكيف يمكن أن تنهض طرابلس، وهي مكبلة بأيدٍ خفية تعمل في الظلام؟ كيف يمكن أن يعود الأمان، وهناك من يستفيد من الفوضى؟
فنحن نطالب بإجراءات فورية :
ما نريده اليوم ليس بيانات فارغة، ولا اجتماعات بلا نتائج. ما نريده قرارات تُنفّذ، لا تُكتب فقط.
خطة أمنية شاملة لاستعادة هيبة الدولة في طرابلس، دون أي تهاون مع المسلحين والخارجين عن القانون.
ملاحقة الجهات السياسية التي تحمي الفوضى وتعرقل الاستقرار، ومحاسبتها علنًا.
تفعيل دور القضاء، لضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب، بدلًا من إطلاق سراحهم بعد كل تدخل سياسي.
إطلاق مشاريع تنموية وفرص عمل حقيقية، حتى لا يبقى الشباب عرضة للبطالة والانحراف.
اليوم، طرابلس لم تعد مدينة منسية، بل مدينة تصيح بأعلى صوتها: كفى!
إما أن تتحمل الدولة مسؤولياتها، وإما أن تكون شريكة في ترك المدينة تغرق أكثر فأكثر في دوامة السلاح والفوضى.
إما أن يسمع المسؤولون صوت الطرابلسيين، أو يتحملوا مسؤولية سقوط مدينة بأكملها في المجهول!