انهيار مالي في صفوف حزب الله: 630 مليون دولار تتبخر وسط أزمة خانقة وتراجع عسكري خطير

بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

انهيار مالي في صفوف حزب الله: 630 مليون دولار تتبخر وسط أزمة خانقة وتراجع عسكري خطير

في خطوة مفاجئة تعكس تغيرًا في استراتيجيته، طلب "حزب الله" من مقاتليه المتمركزين في مناطق جنوب الليطاني، القريبة من الحدود مع إسرائيل، العودة إلى القرى التي ينحدرون منها. هذا التطور، الذي كشفته صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها، يأتي في وقت أعلن فيه الحزب تعليق عملياته العسكرية، بانتظار نتائج المفاوضات الدبلوماسية التي تقودها الدولة اللبنانية لإنهاء الخروقات الإسرائيلية وتأمين انسحاب الاحتلال من الأراضي اللبنانية.

كشفت الصحيفة أن الحزب يمر بواحدة من أشد أزماته المالية منذ تأسيسه، حيث تدهورت قدراته العسكرية بشكل ملحوظ، وتراجعت موارده المالية إلى مستوى يجعله عاجزًا عن الوفاء بالتزاماته الأساسية تجاه عناصره وأنصاره.

المؤسسة المالية الرئيسية للحزب، "القرض الحسن"، علّقت في الأسابيع الأخيرة دفع شيكات التعويضات التي كانت قد صُرفت بالفعل، وهو مؤشر على ضغوط مالية هائلة يواجهها الحزب. حتى الآن، دفع الحزب ما يزيد عن 630 مليون دولار كتعويضات للمتضررين من المواجهات الأخيرة، وهو رقم يكشف عن حجم الخسائر لكنه يعكس أيضًا استنزافًا لموارده المالية.

مصادر مطلعة أكدت أن الحزب أصدر مذكرة داخلية طلب فيها من مقاتليه غير المنحدرين من مناطق الجنوب إخلاء مواقعهم، على أن يتولى الجيش اللبناني السيطرة على هذه المناطق وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار.

في الوقت ذاته، يُشير التقرير إلى أن الحزب تكبّد خسائر جسيمة، حيث تم تفكيك بعض وحداته العسكرية بالكامل. ورغم هذه الانتكاسات، لا يبدو أن الحزب قد فقد قدرته على القتال كليًا، إذ أعاد نشر مقاتلين كانوا متمركزين في سوريا وأعاد هيكلة بعض وحداته لتكون جاهزة لأي تصعيد محتمل في المستقبل.

هذا التراجع لا يُقرأ فقط في سياقه الداخلي، بل يعكس ضغوطًا إقليمية ودولية متزايدة. فالحزب، الذي لطالما اعتُبر ذراعًا إقليمية قوية لإيران، يواجه الآن ضغوطًا من إسرائيل وحلفائها الغربيين، بالإضافة إلى أزمة اقتصادية خانقة في الداخل اللبناني تجعل من استمراره في هذا النهج مكلفًا أكثر من أي وقت مضى.

كما أن الغموض يحيط بموقف الدول الإقليمية الكبرى، مثل إيران، التي تواجه هي الأخرى ضغوطًا اقتصادية وسياسية متزايدة قد تجعلها غير قادرة على تقديم الدعم المالي والعسكري بنفس المستوى السابق.

ما بين الضغوط الاقتصادية، الخسائر العسكرية، والتحديات السياسية، يجد "حزب الله" نفسه أمام معادلة صعبة:

إما التكيف مع المتغيرات الداخلية والدولية، والبحث عن تسوية تضمن استمراره السياسي دون التصعيد العسكري.

أو الاستمرار في المواجهة، ما سيُعمّق أزماته الداخلية ويُهدد بتفجير الوضع الأمني في الجنوب مجددًا.

رغم تراجعه الأخير، لا يمكن القول إن الحزب قد هُزم أو فقد تأثيره بالكامل. إلا أن هذا التغير في استراتيجيته قد يكون إشارة إلى إعادة تموضع تكتيكي بانتظار ظروف أكثر ملاءمة لاستعادة قوته.

المرحلة المقبلة ستكشف ما إذا كان هذا التحوّل مجرد تراجع مؤقت أم بداية نهاية نفوذ الحزب العسكري في جنوب لبنان.