حوثيّون وإسرائيليّون!

بقلم عبد الحميد عجم

حوثيّون وإسرائيليّون!

ثمّة تشابه غريب (لا بل مريب) بين ما جرى ويجري بين إسرائيل وإيران من جهة، وبين ما جرى ويجري بين أميركا والحوثيين من جهة أخرى؟

بشكل شبه يومي تنقضّ الطائرات الإسرائيلية على مقرّات أو شقق أو مزارع ومواقع تعود للإيرانيين في سوريا (وآخرها قصف شقّة سكنيّة في حي كفرسوسة الراقي في دمشق)، حيث ذكرت المعلومات أنّها تعود لمستشارين عسكريين إيرانيين، وأنّ هناك على الأقل قتيلين وعدداً من الجرحى.وقد سبق هذا القصف عدد كبير من الإستهدافات المشابهة في أماكن تواجد القادة الإيرانيين، وإحدى الغارات أودت بخمسة مستشارين دفعة واحدة باعتراف طهران نفسها، وهم من المجموعة القيادية التي تدير العلاقات بين إيران وسوريا..فماذا فعلت وتفعل السلطات الإيرانية حيال هذه الإعتداءات الدموية الموجعة، بمعنى أنّها تؤدّي الى مقتل قيادات أمنيّة وعسكريّة فاعلة ورفيعة المستوى؟

لا شيء.وأكثر الأحيان تتجاهل طهران الحدث والحادث، مكتفية ببيانات تصدر عن السلطات السورية، والتي تدّعي أنّ الغارة قد أسفرت عن مقتل مدنيين، لا أكثر ولا أقلّ، مع الحرص على الإحتفاظ بحقّ الردّ في المكان والزمان المناسبين..والسؤال الكبير:كيف تتحمّل طهران كلّ هذه الضربات وهذه الخسائر دون أن تبادر الى أيّ نوع من ردّات الفعل، ولو لحفظ ماء الوجه، ليس إلّا؟ علماً بأنّ طهران تحارب، عبر وكلائها في لبنان والعراق واليمن، على أكثر من جبهة بما فيها جبهة إسرائيل كما هي الحال في الجنوب اللبناني، وجبهة أميركا نفسها كما هي الحال في العراق واليمن وحتّى سوريّا، حيث تبادر بعض التنظيمات الملحقة بها إلى إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه القواعد الأميركية، والتي أسفرت إحداها عن مقتل ثلاثة جنود من المارينز!والغريب اللافت أنّه عندما يصل أمر المواجهة إلى إسرائيل تتحوّل طهران إلى "ملاك أبيض" لا يرى ولا يسمع، وبالطبع لا يواجه ولا يقاتل، على طريقة قول السيّد المسيح:"من ضربك على خدّك الأيمن، أدرْ له الأيسر"!

الحوثيّون يعيثون خراباً وقرصنة في البحر الأحمر، ما يعرقل الملاحة الدولية بين الشرق والغرب.وقد وصل بهم الأمر إلى "التحدّي العلني" للأساطيل الأميركية والبريطانية والأوروبية، فأغرقوا سفينة إنكليزية، وأصابوا أكثر من سفينة تحمل العلم الأميركي، وما زالوا يعقدون المؤتمرات الصحافية يعدّدون فيها حجم العمليات المنفّذة ضدّ "العدو الأميركي"، وكأنّ هناك حرباً عالمية متكافئة تدور بين زعيم حركة أنصار الله عبد الملك ابن بدر الدين الحوثي وبين زعيم العالم المفترض الرئيس جو بايدن..فماذا فعلت أميركا؟

إستعرضت طائراتها القاذفة (ب 52) التي توجّهت من قواعدها في واشنطن لتضرب معاقل الحوثيين في الحدادة وصنعاء، ولكن بعد أن أبلغتهم مسبقاً بنوع الضربات وتوقيتها وأماكنها، تخفيفاً للخسائر المحتملة.ثمّ حشدت الولايات الأميركية المتحدة حلفاءها وتتالت الضربات "الخجولة" على مراكز إطلاق الصواريخ من اليمن دون أن يؤدّي ذلك الى وقف أعمال القرصنة (كما جرى مثلاً مع الحشد الشعبي في العراق، حيث أدّت رسالة إغتيال الرجل الثاني في حزب الله العراقي إلى وقف العمليات العسكرية..)، فلماذا تتعامل أميركا مع الحوثيين بكلّ هذه "النعومة" غير المفهومة؟

فما هي مصلحة إيران في تجاهل كلّ هذه العربدة الإسرائيلية في سماء سوريا (وأحياناً في منشآت إيران النوويّة والبترولية..) علماً بأنّها لقادرة على ردّ الصاع الصاعين، كما يفترض..وما هي مصلحة أميركا في تحمّل كلّ هذه العربدة الحوثيّة ضدّ أحد أهمّ خطوط التجارة العالمية، علماً بأنّها لقادرة على لجمهم، كما فعلت مع ميليشيات الحرس الثوري في قلب العاصمة بغداد؟