كلمة العلاّمة السيد علي الأمين في تجمع دولة لبنان الكبير
كلمة العلاّمة السيد علي الأمين يلقيها السيد حسن الأمين في تجمع دولة لبنان الكبير الذي أطلقت مبادرته الوطنية لإستعادة الدولة من متحف الأمير فيصل أرسلان :
لبنان الّذي كان هو لبنان الذي نريد منذ عهود مضت ولبنان كان واحة للحرية في العالم العربي وقد شكل نموذجاً حضارياً في العيش المشترك القائم على الإنفتاح والتّسامح بين مختلف الطوائف اللبنانية وأعطى بذلك مثالاً على تجربة إنسانية ناجحة في احترام الآخر والقبول به ونبذ التّعصّب الّذي يشكّل سمةً من سمات الجهل و التخلّف،و قد بقي رباط العيش المشترك يجمع اللبنانيين المتمسّكين بوطنهم لبنان بالرّغم من كلّ ما حصل على أرضه من حروب ونزاعات لا يتحمل الشّعب اللبناني المسؤوليّة عنها،و إنّما كانت حروب الآخرين على أرضه الّذين استفادوا من ضعف الدّولة اللبنانية في تلك المرحلة ليقيموا دويلات الشّوارع و الزواريب و المناطق.
واللبنانيون اليوم كما في الأمس كانوا ولا يزالون متمسّكين بلبنان الواحد ومشروع الدّولة الواحدة التّي تشكّل مرجعيّة لكلّ اللبنانيين في مختلف الحقول و الميادين من خلال نظام سياسي يجعل منها دولة الإنسان التي تحترم مختلف العقائد والمذاهب والأديان من دون أن يكون هناك امتيازات في الحقوق بين المواطنين بسبب الانتماء الديّني والحزبي،بل يجب أن يكون الجميع متساوين أمام القانون في الحقوق و الواجبات.
إن صيغة العيش المشترك التي قام عليها وطننا لبنان منذ الإعلان عنه في دولة لبنان الكبير الذي جمع اللبنانيين بكل طوائفهم تعتبر نموذجاً راقياً وحضارياً في عالم العلاقات الوطنية والانسانية لأنها تقوم على مبادئ التسالم والمحبّة والتعارف والعدل والمساواة بين البشر ونبذ الفوارق في الأعراق والمذاهب والأديان،وهي من المبادئ التي تسالم العقلاء في العالم على رفعة شأنها وسموّ قدرها، وهي من القيم التي لا تزال الميزان والمعيار في صحة الأفكار والمنظومات الأخلاقية في العلاقات الاجتماعية بين الناس.
وقد حمل لبنان هذه الصيغة على أرضه وفي المنطقة،ولذلك كان لبنان بهذه الصيغة التي بني عليها أكبر من وطن،إنه رسالة للعالم كما وصفه قداسة الراحل البابا يوحنا عندما زار لبنان في أواخر القرن الماضي·نعم،هذه رسالة لبنان وصورته التي عشناها صغاراً وعاشها الآباء والأجداد، وعنها قلت :
معاً عشنا بأرضِ الشرقِ دهراً-نصارى إخوةً للمسلمينا
ونحنُ على خُطى الأجدادِ نمضي-بإيمانٍ وعزمٍ لن يلينا
ونبقى الأوفياءَ لِمَا وَرِثْنَا——- بِسِلْمٍ وَاعْتِدالٍ مؤمنينا
نصونُ بذاك عهدَ العيشِ أهلاً-ولن نرضى بغيرِ الحبّ دينا
—-
وهذه الرسالة تحتاج إلى الرسل والمبشرين كما كانت عليه حال الرسالات السماوية فإنها وصلت إلينا من خلال الرسل والمبشرين الذين جسدوا في سلوكياتهم تعاليم رسالاتهم.
وأنتم أيها الناشطون والإخوة والأبناء والطلاب أنتم رسل هذه الرسالة اللبنانية الذين تعقد عليكم الآمال والذين نتطلع إليهم في الحفاظ على لبنان الوطن بالإستمرار بالتمسك بهذه القيم الإنسانية التي قام عليها البنيان.
إنها المهمة التي تقع مسؤوليتها بالدرجة الأولى علينا كلبنانيين مسيحيين ومسلمين، مسؤولين ومواطنين،علينا أن نعيد الألق لتلك الصورة المثالية،إلى تلك الصّيغة الإنسانية والوطنية للعيش والتعايش وأن نكون نحن لها النموذج الأمثل في منطقتنا والعالم بكل ما تعنيه تلك الصورة الرسالة من شراكة حقيقية في الآمال والآلام والمودة والإحترام وفي المشاريع السياسية الجامعة لكل مكونات الوطن ومن قبول كل منا بالآخر كما هو ،ومن تعاون وطيد على صيانة الوطن وبناء الدّولة المدنيّة التي تحقق العدالة للجميع في إطار حفظ وصون الحريات السياسية والدينية، ولذلك نقول اليوم ما قلناه في الماضي للأحزاب والقيادات المتصارعة على السلطة والنفوذ يجب علينا كمسلمين ومسيحيين أن لا نفكر مسيحياً أو إسلامياً وإنما يجب أن نفكر وطنياً وإنسانياً في عملية بناء الدولة الحاضنة للجميع والممثلة لهم بحيث تكون هي المسؤولة وحدها عن الجميع ومسؤولة أمام الجميع من خلال مؤسساتها القانونية والدستورية ويجب أن تكون علاقات الطوائف في الداخل والخارج من خلال الدولة ومؤسساتها.
ونحن نتطلّع إلى اليوم الّذي تصبح فيه الدّولة اللبنانية هي المسؤولة وحدها عن الأمن والدّفاع عن الأرض والشعب وعن السياسة الخارجية والمحلية،وعن الإقتصاد والتعليم وعن سائر المهام الّتي تقوم بها الدّول ذات السيادة في شعوبها وأوطانها،وأن تكون الدّولة هي الّتي ينخرط فيها الجميع وينضوي تحت لوائها الجميع وأن تكون وحدها من خلال مؤسساتها صاحبة القرار ومرجعية الحلول عند حصول الإختلاف بحيث يقبل الجميع بأحكامها وتنفيذ قراراتها بدون استثناء على قاعدة أن يكون الولاء للوطن والحكم لدولة المؤسسات والقانون، وبذلك نعزز حالة الإنصهار الوطني والتنافس الديمقراطي في عملية إعادة بناء لبنان الذي نريد، لبنان الإستقرار والإزدهار ليعود لبنان لؤلؤة الشرق ونموذجاً حضارياً في أرقى وأسمى العلاقات الإنسانية في المنطقة والعالم.