حزب الله من المقاومة إلى الخيانة: الموساد في غرفة القيادة والاغتيالات من الداخل
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

وبين زحام المزايدات الوطنية والشعارات الجوفاء، تنفجر فضيحة تهزّ الضاحية الجنوبية كزلزالٍ يهدم صنماً بُني لعقود على أسطورة المقاومة، فتتكشف الحقائق الصادمة: حزب الله مخترق حتى نخاعه، والعملاء يتكاثرون بين صفوفه كالدود في الجرح المتعفّن.
لم يعد الحديث عن "العمالة" في بيئة الحزب تهمةً تُرمى على الخصوم السياسيين، بل صار واقعاً مرعباً يصفع الحزب وجمهوره معاً. فها هو القضاء العسكري يعلن: 21 موقوفاً حتى الآن، بينهم نجل قيادي في كتيبة الرضوان، الذراع الأقوى عسكرياً للحزب، يزوّد العدو الإسرائيلي بمواقع وإحداثيات قادة الحزب، ويُسهّل تصفيتهم واحداً تلو الآخر… من الداخل!
محمد صالح، اسمٌ لم يكن ليخطر في بال جمهور المقاومة، رجل ولد من رحم الحزب، وتربى في مؤسساته، وشقيقه سقط قتيلاً في مواجهات مع إسرائيل. لكن الولاء الكاذب لا يصمد طويلاً حين تنكشف الحقائق. هذا العميل – بحسب التحقيقات – لم يكن مجرد حلقة وصل، بل رأس الأفعى داخل عرين الحزب، يخترق الاجتماعات المغلقة، يصوّر القادة الجدد، ويرسل أسماؤهم للعدو قبل حتى أن تُعلن مناصبهم. والنتيجة؟ تصفية قادة، بينهم المسؤول عن الملف الفلسطيني حسن بدير ونجله علي، بضربة جوية مركزة.
هل من خيانة أعمق من هذه؟ هل بقي للحزب وجهٌ يدّعي به "الطهارة" بعد أن زرع الموساد رجاله في صميم قيادته؟ الجواب الصريح: انتهى زمن الوهم. انتهت شرعية السلاح. انتهى حزب الله.
لكن الأخطر من الأسماء والتسريبات هو الانهيار النفسي داخل البيئة الشيعية نفسها. بيئة كانت تُربّى منذ الثمانينات على أن إسرائيل "الشيطان الأكبر"، صارت تلد العملاء بلا خجل. وما كان يُعتبر قبل سنوات استثناءً معيباً، صار الآن "كرة ثلج" تتدحرج في كل حيّ وبلدة من الضاحية والجنوب. الناس فقدوا الإيمان، لا بالمقاومة فقط، بل بالحزب كله. كيف لا، وهم يرون صور أبناءهم تُرفع على الجدران كـ"شهداء" فيما أشقاؤهم أو أصدقاؤهم يعملون جواسيس لدى إسرائيل؟
المفارقة السوداء؟ بدل أن يعترف الحزب بالكارثة، يرفع أنصاره مشانق رمزية في الساحات وكأنهم يتطهرون بالتمثيل الصوري، فيما القيح يتدفق من داخل العظام. تعليق مشنقة لن يحيي الشهداء، ولن يمحو الخيانة، ولن يغسل عار السنين.
إن هذا الانكشاف الخطير لا يدل فقط على اختراق أمني؛ بل على نهاية سردية المقاومة التي بنى الحزب عليها شرعيته، وفرض من خلالها سلاحه، وسكت بها الناس عن فساده، واحتلاله للدولة.
العدو لم يعد على الحدود. العدو اليوم يجلس في مكاتب الحزب، يحمل هواتف ذكية، يصور ويكتب ويرفع للموساد ما تعجز الطائرات عن التقاطه. إنه يرتدي القمصان الصفراء، ويهتف "لبيك نصرالله"، لكنه يضحك في الظل على جثث القادة الذين باعهم.
فأي مقاومة هذه؟ وأي مقاوم هذا الذي يفتح "واتساب" على صور جثث زملائه بعد أن سلّم مواقعهم للعدو؟
حزب الله انتهى… ليس لأنه هُزم عسكرياً، بل لأنه خسر قلوب الناس، وخان عقيدته، وسقط في الحفرة التي حفرها بيده حين حوّل المقاومة إلى سلطة قمع، وسلاحها إلى غطاء للتهريب، وبيئتها إلى درع بشري لجريمة مستمرة.
إن حزب الله، اليوم، ليس في أزمة. إنه في حالة احتضار. ولبنان، ومعه العرب، مدعوّون لدفن جثة هذا الحزب قبل أن يتعفّن الوطن كله.