بالفيديو- "أنا عم بحكي": ثلاث كلمات هزّت المحافظ وأحرجت الفساد

خاص مراسل نيوز

لم تكن مجرد لحظة، بل اختصار فاضح لكل ما بلعه اللبنانيون من قهر خلال سنوات طويلة من حكم الإدارات المتعفنة. في الفيديو الذي انتشر كالنار في هشيم الشمال، ظهر محافظ الشمال رمزي نهرا يقاطع وزير الداخلية أحمد الحجار بينما كان الأخير يتحدث للصحافيين عن خروقات الانتخابات البلدية والاختيارية. لكن ما لم يتوقعه "حضرة المحافظ"، أن الوزير لم يسكت. قالها بوجهه: "أنا عم بحكي". ثلاث كلمات فقط، كانت كافية لتفضح منطق السلطة المتغطرسة، وتُعرّي من اعتاد أن يأمر وينهى على حساب كرامة الناس.

 

من رمزية المشهد إلى رمزي نهرا

 

في كل ديمقراطيات العالم، المحافظ موظف إداري، والوزير مرجعية سياسية وتنفيذية أعلى. لكن في لبنان، حيث زواج السلطة بالفساد شرعي ومحمِيّ، أصبح المحافظون في بعض المناطق، لا سيّما في الشمال، أشبه بإقطاعيين لا يُحاسبهم أحد، ولا يُوقفهم قانون. رمزي نهرا ليس اسماً عابراً في دفتر الإدارات اللبنانية؛ هو ذاتُه الذي لاحقته الشبهات بتغطية أصحاب الاشتراكات غير القانونية، وهو ذاته الذي وُصف أكثر من مرة بـ"الدرع البيروقراطي" للفساد الطائفي والمناطقي.

 

فكيف لموظف بدرجة محافظ أن يقاطع وزيراً يتحدّث عن الانتخابات؟ ومن يُخوّله أن يرفع صوته على رأس الإدارة؟ إلا إذا كان يخشى من حديث الوزير، ويخاف من فتح الملفات التي يعرف جيداً أين تبدأ.. ولا يعرف أحد أين تنتهي.

 

الحجار: صوت الدولة الغائبة

 

أحمد الحجار لم يكن صوته عالياً. لم يصرخ، لم يشتم، لم يُهدّد. قال بهدوء: "أنا عم بحكي". لكنها كانت أقوى من كل البيانات. رسالة من وزير يُحاول أن يُعيد للدولة شيئاً من هيبتها، في وجه محافظ تَعوّد أن لا يُحاسبه أحد. وهذا الفارق بين من يُمثل إرادة الناس، ومن يَخدم منظومة تنهب الناس.

 

لماذا يستفز الحديث عن الانتخابات رمزي نهرا؟

 

لأن من يُمسك بمفاتيح البلديات يمسك بخيوط النفوذ. ولأن الحديث عن مخالفات انتخابية يعني تلقائياً الحديث عن دور المحافظ والدوائر التابعة له. فهل أراد نهرا أن يُخرس الوزير قبل أن تُفتح أبواب الأسئلة؟ أم أنه ارتبك حين بدأ الضوء يسلّط على خفايا تُدار في الشمال، من اشتراكات كهرباء لا يجرؤ أحد على تفكيكها، إلى رؤساء بلديات يتم تأجيل انتخابهم بقرار غير معلن؟

 

رسالة إلى الناس: لا تخافوا من الصوت الذي يكسر الصمت

 

الفيديو لم يكن محرجاً للوزير كما حاول البعض الترويج. بل كان إحراجاً صارخاً لمن اعتاد أن يسكت الجميع ويُطبّق "قانون الغلبة". وربما لأول مرة منذ سنوات، يخرج صوت مسؤول في الدولة ليقول: لا، لن تسكتونا. لن تمنعونا من قول الحقيقة. لن نُدفن داخل الجملة.

 

نريد لبنان الحجار، لا لبنان نهرا. لبنان الوزير الذي يقف في الشارع بين الناس ويتكلم، لا الموظف الذي يختبئ خلف مكتبه ويقاطع الكلمة. لبنان الذي يُحاسب، لا الذي يُغطّي.

إن كان رمزي نهرا يشعر أن الحديث عن الخلل يُحرجه، فليتذكّر أن أهل طرابلس وعكار والمنية والضنية وباقي بلدات الشمال يعرفون جيداً من يُدافع عنهم، ومن يُدافع عن مصالح أصحاب الاشتراكات.

 

فالناس لم تعد تخاف. والصوت الذي بدأ بـ"أنا عم بحكي"، لن يصمت بعد الآن.