من سرق الضوء من طرابلس؟ بعد إقالة المحافظ... أين الدولة من مافيا المولدات؟

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

من سرق الضوء من طرابلس؟ بعد إقالة المحافظ... أين الدولة من مافيا المولدات؟

في مدينة تصرخ منذ سنوات تحت وطأة الظلام، لم تكن المشكلة يومًا في غياب الكهرباء… بل في غياب الدولة.

طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني، لا تعيش أزمة طاقة فقط، بل أزمة كرامة. فمنذ سنوات، والمواطنون يُجبرون على شراء الكهرباء من مافيات تحتكر الحي، الشارع، الزقاق… وتبيع الأمبير كأنه امتياز سياسي أو حماية مافيوية.

اليوم، وبعد إقالة محافظ الشمال رمزي نهر، تنكشف فصول أخطر جريمة ارتُكبت بحق الناس البسطاء، بتوقيع رسمي وصمت مريب.

الضوء كان موجودًا... والعدّاد محظورًا

منذ العام 2018، صدر قرار من وزارة الاقتصاد بتركيب عدادات إلزامية لكل أصحاب المولدات الخاصة في لبنان.

استُقبل القرار في بيروت والجنوب والبقاع بالتنفيذ، ولو تدريجيًا.

لكن طرابلس… بقيت وحدها خارج القانون.

لم تُركّب العدادات، ولم تُراقَب التسعيرات، وظل المواطن الطرابلسي يدفع فاتورة شهرية، لا يعرف كيف حُسبت، ولا لأي "أمبير" أو "كيلوواط" دُفعت.

من الذي سمح بذلك؟

من الذي منع التنفيذ؟

من الذي جعل من أصحاب المولدات "زعماء" لا يُحاسَبون؟

الجواب بات واضحًا الآن… بعد الإقالة.

ماذا كان يفعل المحافظ؟

محافظ الشمال رمزي نهر – الذي أُقيل مؤخرًا – لم يكن مجرّد موظف. كان رأس السلطة التنفيذية في المنطقة.

كل مخالفة تحدث في نطاقه الجغرافي كانت تمرّ على مكتبه.

كل شكوى ضد أصحاب المولدات كانت تُجمَّد.

كل محاولة لتركيب عدادات كانت تُحبط…

والنتيجة: حماية صريحة غير معلنة لمنظومة المولدات.

الإقالة لا تعني أن الملف انتهى. بل تعني أن الدولة اعترفت ضمنيًا بأن هناك خللًا…

لكن لا يكفي أن يُقال المحافظ، ويُنسى الضحايا.

المواطن رهينة… بالقانون!

منذ سنوات، يعيش الطرابلسي على إيقاع "التهديد الكهربائي":

لا عداد؟ لا مشكلة.

التسعيرة خيالية؟ ادفع أو انقطع.

المازوت مفقود؟ التبرير جاهز.

فتّشت الوزارة؟ يُطرد المفتش، أو يُمنع من دخول الحي.

والنتيجة: أكثر من 400 ألف نسمة تحت رحمة مافيا منظمة، تستمد قوتها من ضعف الدولة وتواطؤ بعض الموظفين.

ما بين فاتورة الأمبير، وأكاذيب الأعطال، وتهديدات "قطع التيار"، صار المواطن رهينة حقيقية، يدفع المال ليبقى في منزله، لا لينعم بالكهرباء.

يا دولة الرئيس نواف سلام: أين أنت من الشمال؟

نكتب إليك بصوت طرابلس: لا نريد بيانات، نريد قرارًا.

قرارًا بنزع السلاح الاقتصادي من يد أصحاب المولدات.

قرارًا بفرض العدادات خلال 10 أيام، لا أكثر.

قرارًا بتوقيف كل من يخالف التسعيرة الرسمية.

قرارًا بمحاسبة كل موظف – سابق أو حالي – تورط في حماية المافيا، من البلديات إلى المحافظات.

إقالة رمزي نهر ليست النهاية… بل البداية.

العدالة الحقيقية تبدأ عندما يعرف المواطن أنه لم يعد وحده.

ليست كهرباء... إنها كرامة

نعم، نطالب بالعدّادات.

نعم، نطالب بالكهرباء العادلة.

لكننا نطالب قبل كل ذلك بـ"الاحترام".

فلا كرامة لمدينة تُعامل كالسوق السوداء، ولا معنى لدولة تخشى مواجهة حفنة من المحتكرين.

طرابلس لا تريد معروفًا من أحد… بل حقها فقط.

والحق لا يُمنح… يُنتزع.

وإن لم تتحرك الحكومة الآن،

فلتعلم أنها تركت نصف مليون لبناني في قبضة المافيا،

وتنازلت طوعًا عن مسؤوليتها لصالح أرباب الظلام.