وظائف بلا تأهيل جامعي تدير حركة الإنترنت حول العالم ورواتبها مرتفعة

وظائف بلا تأهيل جامعي تدير حركة الإنترنت حول العالم ورواتبها مرتفعة

تعتبر مراكز البيانات Data Centers أحد أهم الابتكارات التكنولوجية التي لعبت دوراً حاسماً في تعزيز الاتصالات والخدمات الرقمية الأساسية التي نعتمد عليها في حياتنا اليومية. وفي ملمح دققت فيه صحيفة "وول ستريت جورنال"، ولّدت تلك المراكز التي تعتبر قلب الإنترنت، أعمالاً من نوعية جديدة، تتميز بأنها لا تتطلب تأهيلاً جامعياً، بل مهارة فنية تشبه ما يتمرس به عمال الصيانة، لكنها تقدم رواتب مجزية تماماً. 

ومثلاً، يُدار ثلثا حركة الإنترنت في العالم عبر خوادم تابعة للشركات الأميركية العملاقة، ومتجمعة في منطقة باتت تعرف باسم "زقاق مراكز البيانات" Data Center Alley. ويصونها فنيّون يتمتعون بتقدير عالٍ، من دون امتلاكهم بالضرورة تأهيلاً أكاديمياً وشهادات جامعية.

 

 

فنيون لملاحقة مخاطر الحرارة والرطوبة 

 

تسلّط صحيفة "وول ستريت جورنال" الضوء على هذا التغيير الكبير في سوق العمل التكنولوجي الأميركي. وتبرز الفرص المتاحة أمام أيدٍ عاملة تقنية غير أكاديمية، لكنها مطلوبة وتحصل على أجور مرتفعة، ما يعيد صياغة النظرة التقليدية للعمل في العصر التكنولوجي.

لم تكن يبورا مارتينيز كاستيانوس (24 عاماً) بحاجة إلى درجة البكالوريوس للحصول على إحدى أكثر الوظائف سخونة في التكنولوجيا. تعمل في الفترة الليلية في مركز بيانات ضخم في أشبورن، فيرجينيا، وهي جزء من فريق عمل متنامٍ يحافظ على تشغيل الإنترنت في البلاد.

يشهد الطلب على فنيي مراكز البيانات مثل مارتينيز كاستيانوس ازدهاراً، حيث تستثمر شركات مثل "مايكروسوفت" و"غوغل" مليارات الدولارات في مراكز البيانات لتشغيل كل شيء من الروبوتات الدردشة الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى تريليونات الصور والرسائل الإلكترونية المخزنة في السحب المعلوماتية.

 

ارتفعت أجور فنيي البيانات، الذين تتراوح مهامهم من صيانة وإصلاح الخوادم إلى تشغيل أنظمة التدفئة والتبريد  بنسبة 43% في السنوات الثلاث الماضية ووصلت إلى متوسط 75,100 دولار، وفقاً لمزود التدريب والشهادات "كومب تي آي إيه" CompTIA.

قبل البدء، حضرت مارتينيز كاستيانوس برنامج عمليات مركز البيانات في كلية نورثرن فيرجينيا كوميونيتي، أو NOVA . وخلال عامين، باتت تكسب 43 دولاراً في الساعة، أي حوالي 90,000 دولار في السنة، تعمل في نوبات مدتها 12 ساعة ثلاثة أيام في الأسبوع وكل يوم أربعاء آخر.

 

وبعدما تم توظيفه في "غوغل" كفنّي بيانات في مقاطعة بيركلي بولاية ساوث كارولينا، يفيد داميان دياز (37 عاماً) بأن التدريب أثناء العمل استغرق عاماً. "كان الأمر مثل الشرب من خرطوم إطفاء". جاء دياز مهاجراً من كوبا. وبعد أربع سنوات في "غوغل"، بات يكسب 112,000 دولار في السنة، بالإضافة إلى المكافآت والأسهم.

وفي نفس مماثل، يفيد نيك بارك (45 عاماً) الذي بدأ العمل كفنّي بيانات بعد ترك الكلية في تسعينيات القرن العشرين، في زمن بداية صناعة مراكز البيانات. وبات الآن يدير مراكز بيانات عدة تابعة لشركة "أوبر تكنولوجي"، حيث يكسب راتباً أساسياً يبلغ حوالي 175,000 دولار، إضافة إلى مكافآت وأسهم. ويرى أن "فنيي مراكز البيانات هم الأبطال المجهولون. نحن نؤدي عملنا جيداً، لذلك عادةً لا تتعطل الخوادم"، وبالتالي، لا تحدث كوارث تقنية. 

 

 

تأثير الذكاء التوليدي

 

الأرجح أن نمو الذكاء الاصطناعي التوليدي بات يغذي النمو الانفجاري لمراكز البيانات. ولكن هؤلاء الفنيون ليسوا عرضة لخطر إزاحتهم بسبب الذكاء التوليدي، بحسب جو ميناريك، الرئيس التنفيذي للعمليات في مشغل مركز البيانات "داتا بانك" DataBank. وإذا تعطل خادم في غرفة، يحتاج الأمر أن يذهب شخص فعلياً ليرى سبب خطأ. ويشكل ذلك سبباً كبيراً يدفع بجون كلارك إلى البقاء كفني في مركز بيانات "مايكروسوفت" بالقرب من منزله في كلاركسفيل، فيرجينيا.

وفي مثل عن تغيير طبيعة الأعمال، ينبّه كلارك إلى أن التحكّم في مخارط التصنيع بات يُدار بواسطة البرمجة وليس بالأيدي. لقد ولّت الأيام التي كان يمكن فيها الانضمام إلى أرض المصنع مباشرة بعد المدرسة الثانوية. ومنذ سنوات طويلة، لم يعد ذلك هو الواقع.

وكخلاصة، تعبّر تلك المعطيات عن التحول في الطلب على الوظائف الفنية في التكنولوجيا التي باتت العصب الأساسي للاقتصاد الأميركي. وحاضراً، يبرز تقدير المهارات العملية والتقنية كثيراً. ويُظهر التقرير أنه حتى بدون شهادة جامعية، يمكن للأفراد الحصول على وظائف مجزية ومرضية توفر لهم دخلاً مستقراً وفرصاً للنمو المهني.