400 مليون دولار ضائعة بـ"الكهرباء": هل يمسّ الوزير بالمحرّمات؟

400 مليون دولار ضائعة بـ"الكهرباء": هل يمسّ الوزير بالمحرّمات؟

مِن وعدٍ بالكهرباء 24/24 انتقل اللبنانيون إلى عتمة شبه تامّة، عزّزتها الأزمة الاقتصادية التي انفجرت في العام 2019 وكان من نتائجها على المستوى المالي، تقليص قدرة وزارة الطاقة على تأمين التمويل اللازم للإتيان بكميات فيول كافية لمعامل إنتاج الكهرباء، علماً أنّ هذه المهمّة هي في الأصل من مسؤولية مؤسسة كهرباء لبنان ذات الاستقلالية المالية.
وتحت سقف زيادة ساعات التغذية، تفشَّت لسنوات، مشاريع لم تحمل سوى المزيد من الفساد وهدر المال العام، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، مشروع شركات مقدّمي الخدمات، ومشروع تأمين يد عاملة مساعِدة، بالإضافة إلى مشروع بواخر الطاقة التركية... وغيرها. وتحت وطأة إجراء الإصلاحات، رفعت وزارة الطاقة لواء الانتقال نحو إنتاج الكهرباء عبر الطاقة المتجدّدة، وسَعَت بذلك إلى استرضاء المجتمع الدولي الذي طالبَ لبنان بإجراء الإصلاحات كمدخل للخروج من أزمته.


ولأنّ النتيجة لم تكن سوى المزيد من الخراب، ارتأى وزير الطاقة جو الصّدّي "التركيز على العمل المؤسساتي المستدام، وعلى الشفافية ومحاربة الفساد" كسبيل لتصحيح الخلل في قطاع الكهرباء. وبحسب خطة الوزير، ستبدأ بشائر الإصلاح بعد أسبوع.

أولى خطوات الإصلاح
رافضاً إطلاق وعد "لا أستطيع تحقيقه"، أكَّدَ الصّدّي في مؤتمر صحافي عقده اليوم، وضع "خريطة طريق عملية للمدى القريب والبعيد"، تستند إلى "التركيز على العمل المؤسساتي المستدام والشفافية ومحاربة الفساد". ولأنّ "الإصلاح لا يكون بين ليلة وضحاها، بل حجراً فوق حجر"، أعلن الصّدّي أنّ إصلاح قطاع الكهرباء يكون عبر خطوات تبدأ بـ"تنظيف وتجديد الإدارة من أعلى إلى أسفل، وبتعيين مجالس الإدارات والمدراء العامّين وتطبيق القوانين بدءاً من القانون 462 المتعلّق بتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء (الصادر في العام 2002)". ويعلِّق الصّدّي آماله على الإيجابيات التي ستنعكس على القطاع بعد تعيين الهيئة الناظمة، إذ أنّ "أهمية الهيئة تكمن بأنّها مؤسسة مستقلة تُعنى بالتخطيط العلمي وتحضير مناقصات شفّافة وإجراء رقابة جدّية والترخيص للإنتاج بحسب المعايير، ولذلك، هي شرط قانوني أساسي لترخيص مشاريع الطاقة المتجدّدة بحجم كبير، فضلاً عن كونها مطلباً إصلاحياً من الجهات المانحة، لمساعدة لبنان. وهذه الخطوات تؤدّي إلى تأمين كهرباء مستدامة بتعرفة مقبولة".

أحوال صعبة
تطبيق خريطة الطريق ستؤدّي، بنظر الوزير، إلى البدء بردم الهوّة الكبيرة التي يعيشها القطاع، سواء في وزارة الطاقة أو مؤسسة كهرباء لبنان. فالأحوال صعبة جداً، والأرقام تشير إلى أزمة حقيقية تستلزم المعالجة السريعة. فعلى مستوى الوزارة "تبلغ نسبة الشغور 85 بالمئة، ولا يوجد موظّفين في الفئتين الأولى والثانية". وعلى المستوى المالي "في السنتين الأخيرتين نشتري الفيول بالاستدانة، وكلفة الكهرباء مرتفعة لعدّة أسباب، أوّلها استعمال الفيول للإنتاج، في حين كان يجب الانتقال نحو الغاز الطبيعي منذ أكثر من 15 عاماً". كما أنّ استقدام بواخر الطاقة زاد من الأزمة المالية لأنّ "استئجارها كلّفنا أكثر من شرائها، وبقينا بلا كهرباء". أمّا الجباية "فلا تتعدّى الـ60 بالمئة، أيّ أن هناك 40 بالمئة من الكهرباء تذهب هدراً، بين الهدر الفنّي وغير الفنّي (الاعتداء على الشبكة)، والهدر الأخير، وصل في العام 2023 إلى نحو 30 بالمئة من الإنتاج، أي ما يصل إلى نحو 200 مليون دولار. وهذا الهدر يحرم مؤسسة الكهرباء من مداخيل تسمح بزيادة الإنتاج، ومستقبلاً، لا يشجّع المستثمرين من الاستثمار في القطاع". ولذلك، أشار الصّدّي إلى أنّه "سنطبّق سياسات تشريعية لمعالجة الاعتداء على الشبكة". ولتعزيز عدم الاعتداء، اقترح الوزير"زيادة ساعات التغذية للمناطق التي تلتزم بعدم الاعتداء وبدفع الفواتير، وهذا ينطبق على المواطنين ومؤسسات الدولة. علماً أنّ متأخّرات الدولة لمؤسسة الكهرباء، تبلغ نحو 200 مليون دولار".

المَسّ بالمحَرَّمات
الطريق الإصلاحية التي أراد الوزير السير بها، لن تكون سهلة. فالتطبيق على أرض الواقع يختلف كثيراً عن وضع التصوّرات على الورق. ومن العقبات التي ستواجه مسار الإصلاح في القطاع، وَضع ملفّ شركات مقدّمي الخدمات تحت المجهر. فالمشروع الذي بدأ في العام 2012 استنزف المال العام واستفاد من سلفات خزينة أتت تحت حجج الإصلاح وتأمين الفيول، لكنّ تلك السلف لم تُسَدَّد. ومع ذلك، أكّد الصّدّي في حديث لـ"المدن"، أنّه من ضمن الإصلاح في مؤسسة كهرباء لبنان "سيكون هناك بعض التحسينات في العقود مع الشركات. وبعد انتهاء العقود، بعد نحو سنة ونصف السنة، سنعيد النظر بها". وهذه الخطوة، رغم أنّها لا تُنصِف القطاع، نظراً لما فعله مشروع الشركات بالقطاع، إلاّ أنّها تُعتَبَر مَسّاً بالمحرّمات، إذ أنّ إعادة النظر بالعقود، يعني من وجهة نظر إصلاحية، تضييق صلاحيات الشركات وتشديد المراقبة على أعمالها، وخصوصاً مسألة تحويل أموال الجباية يومياً لحساب مؤسسة الكهرباء.

يضاً، سيخوض الوزير في بحر مشاريع الطاقة المتجدّدة، ما يعني أنّه سيفتح ملفّ الرخص الـ11 التي أعطيت لشركاتٍ بلا تمويل

ويراهن الوزير على تعيين الهيئة الناظمة، للانطلاق نحو "البدء بمشاريع الطاقة المتجدّدة التي تعتمدها الوزارة كسياسة ضرورية لإنتاج الكهرباء بكلفة منخفضة وساعات تغذية إضافية وكعامل مساعد للبيئة". أمّا على مستوى الفيول، فأوضح الصّدّي أنّه "يجري البحث داخل الحكومة، ومع وزير المالية، عن مصادر إضافية للفيول العراقي".