بالروح، بالدم..بالنعلين!

بقلم مراسل نيوز

بالروح، بالدم..بالنعلين!

ما كاد استشهاد القائد القسّامي صالح العاروري يتجاوز "خطأ" إنفلات المقنّعين والسلاح الفلسطيني، من كورنيش مدينة صيدا إلى مراسم تشييع الشهداء، حتّى جاءت "خطيئة" ما كُتب على يافطة كبيرة رُفعت فوق البناء الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية في الضاحية الجنوبيّة حيث يقع مكتب حركة "حماس" الذي كان يضمّ إجتماعاً ميدانياً لبعض قادتها، وعلى رأسهم العاروري..أمّا ما كُتب في اليافطة التي غطّت البناء، وتضمّنت صورة للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، فهو عبارة "لبّيك يا سيّد المقاومة..فداء لنعليك".

وفي الوقت الذي كانت ترتفع الصورة بشعاراتها الشخصانيّة الهابطة، حتّى كان العدوّ الإسرائيلي يغتال في بلدة خربة سلم الجنوبية القائد الميداني في وحدة الرضوان وسام حسن طويل (الحاج جواد، وهو الشهيد 149 في قائمة شهداء الحزب)، ما يعكس الثمن الغالي الذي يتكبّده الحزب، ليس فدى النعلين كما جاء في اليافطة، وإنّما على "طريق القدس" كما جاء في الإستدراك الذي تنبّه إليه الأمين العام شخصيّاً حيث بادر بعد أيّام على انطلاق الحرب إلى تعميم قرار بخطّ يده، وفيه أمر إلى قيادة الحزب بنعي الشهداء تحت شعار القدس وليس تحت أيّ شعار شخصيّ آخر يمكن له أن يسخّف من معاني الشهادة، كما يمكن له أن ينزع عن القتال الدائر توصيف "وحدة الساحات" الذي رفعته طهران، وباتت ملزمة بتطبيق حيثيّاته ولو في الحدّ الأدنى حتّى لا تنكشف النوايا بعد أن انكشفت الساحات على معركة كبرى في غزّة، وعلى معارك مضبوطة في المكان والزمان في ساحات لبنان وسوريا والعراق واليمن، معتبرين سلفاً أنّ الساحة الإيرانيّة لا يصيبها شلّال الدم المراق!

"بالروح..بالدم" شعار طالما رافق التظاهرات المدافعة عن هذا الزعيم أو ذاك، عن هذا النظام أو ذاك.ولعلّ النظام السوري (بالرئيس الوالد حافظ الأسد وبالرئيس الإبن بشّار الأسد..) كان ولا يزال أكثر المستفيدين من "هذه الدماء..وهذه الأرواح" التي أزهقت طوال سنوات وسنوات، ليس سوى للدفاع عن العائلة الحاكمة، ولدوام السلطة تتأرجح ما بين الأسد الأب والأسد الإبن برعاية "الأخ رفعت" فيما مضى، وبرعاية "الأخ ماهر" في العهد الحالي.

وفي زمن النكسات (منذ نكسة 1967) سارت التظاهرات لتحمي "الزعيم" خاسراً كان أو منتصراً، تحت الشعار الموحّد "بالروح..بالدم" (هذا ما حصل مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومع الرئيس العراقي صدّام حسين، وغيرهما من الرؤساء العرب..) وكأنّه قدرٌ علينا أن نستشهد كالعصافير ليس من أجل أوطاننا، وهو حقّ مشروع، وإنّما من أجل حكّامنا وهو أمر لا يمتّ الى الحقّ بصلة.اليافطة المرفوعة في قلب الضاحية جاءت لتلغي كلّ العناوين السياسية، ولتجعل من الشهداء الذين يسقطون مجرّد "خطّ دفاع" عن القائد، وهو في هذه الحرب الدائرة الأمين العام نصرالله.المقاومة هي "فدى النعلين"، فهل هناك من ظلامة بحقّ الشهداء وأهل الشهداء أكثر من ثقل هذا الشعار الأحمق؟

في غزّة، الوعي أكثر تجذّراً.كلّ المشيّعين يرفعون قبضة القضيّة الفلسطينية، ولو اتّخذت بعض الرموز (أبو قتيبة والسنوار ومحمد ضيف) شيئاً من الرمزيّة، إلّا أنّ الجميع يستشهدون أو ينزحون أو يدفعون الأثمان الغالية دفاعاً عن "القضية" (لا الأشخاص) وهو ما جعل الرأي العام العالمي يندفع لدعم الحقّ المشروع في الدفاع عن هذه القضية، متجاوزين إسلامية حركة حماس وأصوليّة حركة الجهاد!