مَن نصدّق؟

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

مَن نصدّق؟

يقول النائب وليد البعريني، بعد لقاء تكتّل الإعتدال الوطني مع رئيس المجلس نبيه برّي للمرّة الثانية، أنّه "ما يمكن تأكيده حتّى الساعة هو طغيان الإيجابيات على السلبيّات" في موضوع المبادرة الرئاسيّة، مضيفاً أنّ "اللجنة الخماسيّة تدعم المبادرة".من جهة ثانية، يقول وزير الإعلام زياد مكاري في حديث إلى جريدة النهار "للأسف يبدو أنّ مبادرة الإعتدال فشلت قبل أن تبدأ" وهو ما تؤكّده الصحيفة نفسها بالقول "أنّ نوّاب الإعتدال قد تعمّدوا تعميم أجواء التفاؤل".ومن جهة ثالثة يصرّ الرئيس برّي في نوع من التحدّي ومن الردّ على ما يجري تداوله حول طبيعة الحوار الذي تدعو إليه المبادرة:"أنا الرئيس، وليس أحد غيري يدير الحوار"، فيما تبرز في تصاريح القوات اللبنانية مواقف مختلفة وكأنّها متناقضة، بين تأييد الدكتور سمير جعجع لما سمعه من وفد الإعتدال في معراب، وبين كلام لكلّ من النائبين ستريدا جعجع وفادي كرم حول أنّ جدول الجلسة المشتركة "مسجّل بالصوت وبالصورة" ما يوحي بأنّ أصحاب المبادرة يردّدون في كلّ مقام ما يناسبه، وهو ما يجعل الجميع موافقين على ما سمعوه، ولكن بمضامين وخطوط عريضة للمبادرة تبدو غير منسّقة أو غير واضحة المعالم والتفاصيل:فمَن نصدّق؟

قبل الغوص في التحليل وفي استنباط الخيط الأبيض من الخيط الأسود، لا بدّ من السؤال حول ما دار في الجلسة التي جمعت وفد التكتّل مع كتلة الوفاء للمقاومة، إضافة الى التوقّف عند جملة مؤشّرات لا تجعل المتابعين يشاركون نوّاب المنية والضنية وعكار "تفاؤلهم" المفرط حيال إستحقاق عجزت عن الوصول به إلى "خواتيم سعيدة" دول كبيرة تمتدّ من السعودية وقطر، إلى فرنسا والولايات الأميركية المتّحدة:

-إنّ تأجيل حزب الله لجوابه على المبادرة (وهو بالتأكيد كان يعرف عناصرها ومبادئها قبل اللقاء) يحمل رسالة ضمنيّة بأنّه ليس جاهزاً بعد لهذا الإستحقاق (وليس مستعجلاً) في ظلّ التطوّرات العسكرية التي تحبل بها المنطقة ولبنان، وأنّه يفضّل أن يبقى منفرداً بقرار السلم والحرب دون "رئيس" أيّاً كان إسم هذا الرئيس.فالفراغ يناسب جدّاً الحزب، ويعطيه حرّية تصرّف واسعة، خاصّة بعد أن استحصل على "التنازل الرسمي" من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومن وزيري الخارجية عبدالله بو حبيب ووزير الدفاع موريس سليم الذي شكّك علناً بقدرة الجيش اللبناني على حماية البلد من العدو الإسرائيلي!

-وإذا كان الحزب يفضّل ألّا يرفض مباشرة هذه المبادرة (وغيرها من المبادرات) فإنّه يترك المهمّة لأطراف الممانعة، كما فعل عمليّاً الرئيس برّي، وكما عبّر عن ذلك المعني الأوّل بالإستحقاق المرشّح سليمان فرنجية، حيث أصرّ نجله النائب طوني فرنجية على تثبيت استمرار ترشّح والده، فيما نعى المبادرة (بكلّ أسف..) وزير المردة مكاري!

وكذلك فعل نوّاب "تكتّل الوفاق الوطني" حيث أكّد باسمهم النائب فيصل كرامي أنّ مرشّحهم الوحيد هو فرنجيّة، وأنّ أيّ حوار يجب أن يبدأ وأن ينتهي به!

وما يؤكّد أنّ الأجواء الرئاسية ليست على ما يُرام، أو هي لا تزال في مربّعها الأوّل، هو السجال الذي دار بين النائب فرنجية ووزير الداخلية بسام مولوي، حول عائدات البلديات من الصندوق البلدي المستقل، حيث جاء ردّ "الوزير" عالي الوتيرة بما يتناسب مع إنتقادات "النائب"، وهذا يعكس الخلاف والإختلاف بين الموقعين السياسيين لكلّ من المردة (حزب الله والممانعة) والوزير مولوي (السعودية ودول الخليج)!

لا رئيس في المدى القريب.وكلّ ما يُعطى من مواعيد (قبل رمضان المبارك، وبعد العيد، وقبل الحرب أو بعدها) مجرّد تحاليل صحافيّة لا تمتّ إلى الواقع بصلة.فالرئاسة في لبنان طالما كانت، وفي الأيّام العاديّة، نتيجة تسويات إقليمية ودولية..فهل يمكن لها أن تكون في الزمن الصعب مجرّد توازنات أو تداخلات ومبادرات داخليّة؟