بوجه تكنولوجيا إسرائيل المتقدّمة... حزب الله يلجأ للتقنيات القديمة ويمنع الهواتف

بوجه تكنولوجيا إسرائيل المتقدّمة... حزب الله يلجأ للتقنيات القديمة ويمنع الهواتف

كشفت مصادر مطّلعة لـ" رويترز " عن أن في أعقاب مقتل قادة كبار في غارات جوية إسرائيلية كانت تستهدفهم، لجأت جماعة " حزب الله " اللبنانية المدعومة من إيران لاستخدام بعض التقنيات القديمة مثل استخدام الرموز في الرسائل وخطوط الهواتف الأرضية وأجهزة البيجر لمحاولة التهرّب من تكنولوجيا المراقبة المتطوّرة لإسرائيل.

 

وبدأت الجماعة أيضاً في استخدام التكنولوجيا الخاصّة بها، منها الطائرات المسيّرة، لدراسة ومهاجمة قدرات إسرائيل على جمع المعلومات الاستخبارية، في ما وصفه زعيم "حزب الله" حسن نصرالله بأنّه استراتيجية "إعماء العدو وصم آذانه باستهداف التجهيزات الفنية والرادارات والمناطيد".

 

يتبادل الجانبان إطلاق النار منذ أن دخلت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، حليفة "حزب الله" في قطاع غزة، في حرب مع إسرائيل في تشرين الأول (أكتوبر). وفي الوقت الذي لا يزال فيه القتال على الحدود الجنوبية للبنان تحت السيطرة نسبياً، فإن تصاعد حدّة الهجمات في الأسابيع القليلة الماضية يزيد من المخاوف من إمكانية تحوّله إلى حرب شاملة.

ونزح عشرات الآلاف من منازلهم من على جانبي الحدود. وأسفرت الهجمات الإسرائيلية عن مقتل أكثر من 330 من مقاتلي "حزب الله" ونحو 90 مدنيّاً في لبنان، وفقاً لإحصاءات "رويترز". وتشير إسرائيل إلى أن الهجمات من لبنان أسفرت عن مقتل 21 جندياً و10 مدنيّين.

وقتل كثير من مسلّحي "حزب الله" أثناء مشاركتهم في الأعمال القتالية شبه اليومية، ومنها إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة المفخّخة على شمال إسرائيل.

 

وأكّد "حزب الله" أيضاً مقتل أكثر من 20 عنصراً، من بينهم ثلاثة من كبار القادة وأعضاء من وحدة قوّات "الرضوان" الخاصة وعناصر من المخابرات، في غارات محدّدة الأهداف بعيداً عن الخطوط الأمامية.

 

ويفيد الجيش الإسرائيلي بأنّه يرد على هجوم غير مبرّر من "حزب الله"، الذي بدأ إطلاق النار على أهداف إسرائيلية في اليوم التالي لهجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من تشرين الأول.

 

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان لـ"رويترز" إنّه قصف أهدافاً عسكرية واتّخذ "الاحتياطات الممكنة من أجل تخفيف الضرر الذي يلحق بالمدنيين".

وجاء في البيان "نجاح هذه الجهود يعتمد على قدرة الجيش الإسرائيلي على جمع معلومات استخباراتية شاملة ودقيقة عن قوّات حزب الله وقادته والبنية التحتية الإرهابية للمنظمة وأماكن وجودهم وعملياتهم".

ولم يجب الجيش الإسرائيلي على أسئلة عن جمعه للمعلومات الاستخبارية والإجراءات المضادة التي يتّخذها "حزب الله"، مرجعاً ذلك "لأسباب تتعلّق بأمن الاستخبارات".

 

ومع تزايد الضغوط الداخلية في إسرائيل بسبب هجمات "حزب الله"، سلّط الجيش الإسرائيلي الضوء على قدرته على ضرب عناصر الجماعة عبر الحدود.

 

وتلعب تكنولوجيا المراقبة الإلكترونية دوراً حيوياً في هذه الهجمات. وذكر الجيش الإسرائيلي أن لديه كاميرات مراقبة أمنية وأنظمة استشعار عن بعد على المناطق التي ينشط فيها "حزب الله"، ويُرسل بانتظام طائرات استطلاع مسيّرة عبر الحدود للتجسّس على خصمه.

ويعتبر التنصّت الإلكتروني الذي تقوم به إسرائيل، منه اختراق الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، على نطاق واسع من بين أكثر العمليات تطوّراً في العالم.

 

ولفتت ستة مصادر مطّلعة على عمليات "حزب الله" لـ"رويترز"، طلبت عدم الكشف عن هوياتها لحساسية المسألة، إلى أن "حزب الله" تعلّم من خسائره وقام بتعديل تكتيكاته ردّاً على ذلك.

 

وقال اثنان من المصادر إن الهواتف المحمولة، التي يمكن استخدامها لتتبّع موقع المستخدم، تم حظرها من ساحة المعركة واستبدالها بوسائل الاتصال القديمة، مثل أجهزة البيجر والسعاة الذين يبلغون الرسائل شفهيا.

وأشارت ثلاثة مصادر إلى أن "حزب الله" يستخدم أيضاً شبكة اتّصالات أرضية خاصة يعود تاريخها إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

 

وأفاد مصدر آخر مطّلع على المسائل اللوجستية للجماعة بأنّه في حالة سماع المحادثات، يتم استخدام كلمات مشفّرة للأسلحة ومواقع الاجتماعات، مشيراً إلى الكلمات المشفّرة يتم تحديثها يومياً تقريباً وتسليمها إلى الوحدات عن طريق سعاة ينقلون الرسائل.

وقال المحلّل اللبناني المقرّب من "حزب الله" قاسم قصير: "نواجه معركة تشكّل المعلومات والتكنولوجيا جزءاً أساسياً فيها... لكن عندما تواجه بعض التقدم التكنولوجي، فإنّك تحتاج إلى العودة إلى الأساليب القديمة.. الهواتف.. الاتصالات الشخصية... أيّاً كانت الطريقة التي تسمح لك بالتحايل على التكنولوجيا".

وأوضح المكتب الإعلامي لـ"حزب الله" أنّه ليس لديه تعليق على تصريحات المصادر.

 

إجراءات مضادّة بتقنيات قديمة

ويشرح خبراء أمنيون أن بعض الإجراءات المضادّة التي تستخدم فيه تقنيات قديمة يمكن أن تكون فعّالة للغاية ضد قدرات التجسّس عالي التقنية. فإحدى الطرق التي أفلت بها زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن من الاعتقال لما يقرب من عقد من الزمن، كانت من خلال قطع الاتّصال بخدمات الإنترنت والهاتف، واستخدام السعاة بدلاً من ذلك.

 

وقالت المحلّلة السابقة بوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أيه) والتي تعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن إيميلي هاردينغ: "مجرّد استخدام شبكة شبكة خاصة افتراضية (في بي أن)، أو أفضل من ذلك، عدم استخدام الهاتف المحمول على الإطلاق، يمكن أن يزيد من صعوبة العثور على الهدف وإصلاحه".

وأوضحت "لكن هذه الإجراءات المضادة تجعل قيادة حزب الله أقل فاعلية بكثير في التواصل بسرعة مع قوّاتها".

 

ويعتقد "حزب الله" ومسؤولون أمنيون لبنانيون أن إسرائيل تقوم أيضاً بتجنيد مخبرين داخل لبنان أثناء قيامها بمراقبة الأهداف. ولفتت ثلاثة مصادر إلى أن الأزمة الاقتصادية في لبنان والمنافسة بين الفصائل السياسية خلقت فرصاً لعملاء إسرائيل بتجنيد أفراد في لبنان، لكن ليس كل المخبرين يدركون مع من يتحدثون.

 

وفي 22 تشرين الثاني (نوفمبر)، تلقّت امرأة من جنوب لبنان مكالمة على هاتفها المحمول من شخص يدّعي أنّه مسؤول محلي، وفقاً لمصدرين على علم مباشر بالواقعة. وقالت المصادر إن المتّصل كان يتحدّث بلغة عربية قوية، وسأل عما إذا كانت الأسرة في المنزل. أجابت المرأة: لا، موضحة أنّهم سافروا إلى شرق لبنان.

وتابعت المصادر أنّه بعد دقائق، ضرب صاروخ منزل المرأة في قرية بيت ياحون، ما أسفر عن مقتل خمسة من مقاتلي "حزب الله"، من بينهم عباس رعد، نجل أحد كبار نواب "حزب الله" وعضو في "وحدة الرضوان".

 

وذكرت المصادر لـ"رويترز" أن "حزب الله" يعتقد أن إسرائيل تعقّبت المقاتلين إلى الموقع وأجرت اتّصالاً للتأكّد ما إذا كان هناك مدنيّون قبل الهجمة بدون الكشف عن مزيد من التفاصيل.

 

وفي غضون أسابيع، كانت جماعة "حزب الله" تحذّر أنصارها علناً عبر أثير محطّة إذاعة "النور" التابعة لها من عدم الثقّة في المتّصلين الذين يزعمون أنّهم مسؤولون محلّيون أو عمّال إغاثة، قائلين إن الإسرائيليين ينتحلون شخصياتهم للتعرّف على المنازل التي يستخدمها "حزب الله".

 

وكانت تلك بداية سلسلة من الهجمات استهدفت أعضاء بارزين بـ"حزب الله" في لبنان.‭ ‬ومن بين القتلى وسام الطويل وطالب عبد الله‭ ‬ومحمد ناصر، القادة الذين لعبوا أدواراً أساسية في توجيه عمليات الجماعة في الجنوب.

وقُتل أيضاً نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري باستهداف إسرائيلي في الضاحية الجنوبية.

وأعلن مصدران مطّلعان على نهج التفكير داخل الجماعة ومسؤول استخباراتي لبناني لـ"رويترز" أن جماعة "حزب الله" بدأت تشتبه في أن إسرائيل تستهدف مقاتليها عبر تتبّع هواتفهم المحمولة وكاميرات المراقبة المثبتة على المباني في البلدات الحدودية.

وفي 28 كانون الأول (ديسمبر)، حثّ "حزب الله" سكّان الجنوب في بيان نُشر عبر "تلغرام" على فصل أي كاميرات مراقبة يمتلكونها عن الاتّصال بالإنترنت.

 

وبحلول أوائل شباط (فبراير)، صدرت توجيهات أخرى لمقاتلي "حزب الله" بعدم استخدام هواتف محمولة في أي مكان قريب من ساحة المعركة.

وقال مصدر لبناني كبير مطّلع على عمليات الجماعة "اليوم، إذا وُجد أي هاتف مع أي شخص على الجبهة، فسيتم طرده من حزب الله".

وأكّدت ثلاثة مصادر أخرى التوجيه الذي عمّمته الجماعة. وقال أحد المصادر لـ"رويترز" إن المقاتلين بدأوا يتركون هواتفهم عند تنفيذ عمليات.

وذكر المسؤول الاستخباراتي اللبناني أن "حزب الله" كان يجري أحياناً عمليات تفتيش مفاجئة على الوحدات الميدانية بحثاً عن هواتف.

وأوضح مصدران آخران أن كبار القادة السياسيين في "حزب الله" يتجنّبون إحضار هواتف معهم إلى الاجتماعات، حتى في بيروت.

 

وفي خطاب بثّه التلفزيون في 13 شباط، حذّر حسن نصر الله أنصاره من أن هواتفهم أكثر خطورة من جواسيس إسرائيل وقال إنّهم يجب أن يكسروها أو يدفنوها أو يضعوها في صندوق حديدي.

 

وأفاد مسؤول أمني لبناني سابق ومصدران آخران مطلعان على عمليات جماعة "حزب الله" بأن الجماعة اتّخذت إجراءات لتأمين خطوط التواصل الهاتفي الخاصّة بها بعد الاشتباه بخرق إسرائيلي.

ووفقاً لمسؤولين حكوميين آنذاك، فإن الشبكة الواسعة التي يزعم أنّها مموّلة من إيران أُنشئت قبل نحو عقدين باستخدام كابلات ألياف ضوئية ممتدة من معاقل "حزب الله" في الضواحي الجنوبية لبيروت إلى بلدات في جنوب لبنان وشرقها إلى وادي البقاع.

 

وأحجمت المصادر عن تحديد زمن وكيفية الاختراق، لكنّهم قالوا إن خبراء الاتّصالات في "حزب الله" يعملون على تقسيمها إلى شبكات أصغر للحد من الأضرار في حالة اختراقها مجدّداً.

وقال المصدر اللبناني الكبير لـ"رويترز": "كثيراً ما نغيّر شبكات الخطوط الأرضية لدينا ونقوم بتبديلها حتى نتمكّن من تجاوز القرصنة والتسلل".

 

المراقبة باستخدام طائرات مسيّرة

تتباهي الجماعة بقدرتها على جمع معلومات استخباراتية خاصّة بها عن أهداف ومهاجمة منشآت المراقبة الإسرائيلية باستخدام ترسانتها من الطائرات المسيّرة الصغيرة محلّية الصنع.

 

وفي 18 حزيران (يونيو)، نشرت جماعة "حزب الله" مقطع فيديو مدّته تسع دقائق قالت إنّه التُقط فوق مدينة حيفا الإسرائيلية بواسطة طائرات مراقبة تابعة لها، وتضمّن منشآت عسكرية وموانئ.

 

وذكر سلاح الجو الإسرائيلي أن أنظمة الدفاع الجوي رصدت الطائرة المسيّرة، لكن القرار اتُخذ بعدم استهدافها لأنّها لا تمتلك قدرات هجومية، ولأن استهدافها قد يعرّض السكّان للخطر.

 

وتضمّن مقطع فيديو آخر نشرته جماعة "حزب الله" صوراً جوية قالت إنّها جمعتها لمنطاد مراقبة إسرائيلي ضخم يُعرف باسم "سكاي ديو" في اليوم السابق لاستهدافه في هجوم بطائرة مسيّرة في 15 أيار (مايو).

 

وتقول الجماعة إنّها أسقطت أو سيطرت على ست من طائرات الاستطلاع الإسرائيلية من طرازات "هيرميس 450" و"هيرميس 900" و"سكاي لارك".

 

ووفقاً لمصدرين يقوم عناصر "حزب الله" بتفكيك الطائرات المسيّرة لدراسة مكوناتها.

 

وأكّدت إسرائيل أن خمس طائرات مسيّرة تابعة للقوات الجوية أُسقطت بصواريخ سطح-جو بينما كانت تنشط فوق لبنان.

 

ومع ذلك، أشار الجيش الإسرائيلي إلى أن التصريحات الصادرة عن جماعة "حزب الله" يتعيّن التعامل معها بحرص، قائلاً إن المجموعة تهدف إلى بث الخوف في نفوس الإسرائيليين