قلب العالم ينبض من الرياض... فهل يبقى لبنان في غرفة الإنعاش؟
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

في زمن تتسابق فيه القوى الإقليمية لتأمين مكانتها في عالم متغير، وقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الرياض موجّهًا رسائل في كل الاتجاهات. لكن من بين تلك الرسائل، سقطت عبارة قد تغيّر مستقبل لبنان بالكامل، لو وعينا معناها جيدًا:
"لبنان كان ضحية لإيران وحزب الله... ونحن مستعدون لمساعدته لبناء مستقبل أفضل مع جيرانه."
لحظة! ماذا تعني هذه العبارة؟
هل نحن أمام تحوّل جذري في رؤية واشنطن تجاه لبنان؟ وهل تفتح السعودية أبوابها للبنان كجزء من مشهد إقليمي جديد يبدأ من الرياض وينتهي في مرفأ بيروت؟
التحالف السعودي – الأميركي لم يعد مجرد اتفاق نفطي أو تعاون أمني. هو اليوم تحالف يقود مشروعات ضخمة بـ600 مليار دولار، يُعاد من خلاله رسم مستقبل المنطقة. السعودية، برؤية محمد بن سلمان، تحولت من دولة ريعية إلى لاعب اقتصادي عالمي، والأميركيون يرون فيها "قلب العالم" الجديد.
في المقابل، يقف لبنان على هامش المشهد، غارقًا في أزماته، بينما تتحدث القوى الكبرى عن مستقبل غزة، وإعادة إعمار أوكرانيا، وتحويل الرياض إلى عاصمة المال والتكنولوجيا.
ثلاث فرص ذهبية للبنان في هذه اللحظة التاريخية:
دور محوري في الأمن الإقليمي: لبنان يمكن أن يتحول من "ضحية للنفوذ الإيراني" إلى "جسر دبلوماسي" بين الخليج والغرب، إذا ما أعيد بناء الدولة ومؤسساتها على أسس الحياد والانفتاح. وهذا يتطلب جرأة في القرار السياسي.
الانخراط في اقتصاد الإقليم الجديد: السعودية اليوم تستثمر في المعرفة والتقنية والطاقة النظيفة. لماذا لا يُطرح لبنان كمركز للخبرات الأكاديمية والعلمية؟ لماذا لا تُستأنف مشاريع الربط الاقتصادي، من الغاز إلى الاتصالات؟ ولم لا نعرض لبنان كـ"القطاع الإبداعي" لهذا الشرق المزدهر؟
التموضع ضمن مشروع السلام والتنمية: ترمب فتح الباب لحل شامل، من غزة إلى بيروت. على لبنان أن يدخل عبر هذا الباب، ويقدّم نفسه كـ"شريك في السلام" لا كـ"رهينة للنزاع".
رسالة إلى القوى اللبنانية: آن الأوان للانتقال من لغة التنديد إلى لغة الاستثمار
كفى تكرارًا لعبارات الشجب والتنديد. السعودية تغيّرت. أميركا تغيّرت. والإقليم تغيّر. فمتى يتغيّر خطابنا؟
هل ننتظر أن تُعرض علينا الفرص على طبق من ذهب؟ أم نصوغ نحن المبادرة ونذهب إلى حيث تُصنع القرارات؟
المطلوب اليوم قيادة لبنانية ذكية تدرك أن التموضع الاستراتيجي لا يأتي من الشكوى، بل من الفعل.
ما قاله ترمب ليس مجاملة. وما أعلنه محمد بن سلمان ليس شعارًا. إنها فرصة القرن للبنان.
فإما أن نُشارك في بناء "شرق أوسط جديد وحديث"، كما سماه ترمب، أو نبقى في الظل نتفرج على الآخرين وهم يصنعون التاريخ... من دوننا.
صناعة المستقبل لا تنتظر المترددين.
إمّا أن نكون جزءًا من قلب العالم... أو خارج الخريطة.