طرابلس لا تصلح للعيش... ولا للموت أيضًا
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

طرابلس لم تعد مدينة مهمّشة فحسب، بل مدينة مُنهكة، مُتعمّد تهميشها، كأنها تعيش في هامش الخريطة لا في قلب الوطن.
ما يُمارَس بحق طرابلس لا يشبه الإهمال بالمعنى الإداري، بل هو نمط ممنهج من التعطيل، التفقير، والاختزال.
في طرابلس، يُختزل الفقر إلى حالة عابرة، لكنه في الحقيقة منظومة متكاملة من الحرمان المنظَّم.
المدينة التي تُوصف بـ"الفوّارة" وقت الاستحقاقات، تُترك وحيدة في مواجهة الجوع، البطالة، انهيار المؤسسات الصحية، وانعدام أي بنية إنقاذية.
المفارقة أن طرابلس لا تنقصها المقوّمات. فيها تاريخ، موقع، طاقة بشرية شابة، وإرادة عنيدة للحياة.
لكن كل ذلك يصطدم بجدار الدولة الغائبة، والمركزية العمياء، ونظام سياسي يرى في المدينة فقط صندوق اقتراع أو ساحة توتير عند اللزوم.
طرابلس لا تصلح للعيش، لأن العيش بلا أمن صحي، بلا عدالة اجتماعية، بلا فرص حقيقية… ليس عيشًا.
ولا تصلح للموت، لأن الموت فيها فقد معناه، وسط انقطاع الكهرباء عن المستشفيات، وانهيار مقوّمات الوداع الإنساني.
ليست المشكلة في المدينة، بل في عدسة الدولة التي لا ترى فيها سوى "خاصرة رخوة"، لا كيانًا أهليًا حيويًا يستحق الدعم والتوازن.
والسؤال الذي لا يمكن الهروب منه: إلى متى تبقى طرابلس خزانًا للفقر والحرمان، فيما تُهدر مقدّراتها وتُشيطن طاقاتها؟
طرابلس لا تستجدي الرأفة. ما تطلبه هو ما يطلبه أي شعب حيّ: دولة حاضرة، نظام عادل، وكرامة لا تُرهن.
طرابلس لا تصلح للعيش... ولا للموت أيضًا.
لكنها تصلح – إن أُعيد لها حقّها أن تكون مركزًا ناهضًا في وطن يتنفس بكامل أطرافه… لا يختنق في بعضها.