مصر: تحشيد رسمي لمنع تهجير الغزيين
بالتزامن مع فتح معبر رفح، أمس الجمعة، لدخول شاحنات المساعدات، واستقبال الجرحى الفلسطينيين، تواصل احتشاد آلاف المصريين أمام المعبر للتعبير عن رفض اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهجير أهالي غزة إلى مصر والأردن، رافعين علمي مصر وفلسطين.
جاءت الحشود، حسب الأخبار الرسمية المصرية، من محافظات مصرية عديدة منها البحيرة، وكفر الشيخ، والغربية، وبورسعيد، والاسماعيلية، والشرقية، والقليوبية، وبني سويف، وتشارك فيها هيئات ومؤسسات شعبية وسياسية وبرلمانية، للانتظام في فعاليات رافضة للاقتراح الأمريكي، وذلك بعد تصريحات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال فيها إن «ترحيل أو تهجير الشعب الفلسطيني ظلم لا يمكن أن نشارك فيه».
إجراءات السلطات المصرية تظهر أنها تتعامل مع اقتراح ترامب كخطر كبير، يتجاوز كل ما حصل سابقا، بما في ذلك احتلال إسرائيل لمعبر رفح، وما مثله ذلك من إخلال باتفاقيات كامب ديفيد، إضافة إلى التداعيات الكبيرة للحرب على غزة على اقتصادها نتيجة استهداف «أنصار الله» الحوثيين للسفن المتجهة إلى إسرائيل، وكذلك الخسائر التي تكبدتها نتيجة إغلاق غزة ومنع البضائع إليها من الجانب المصري، ناهيك عن آثار الحرب الاستراتيجية على وزن مصر في المنطقة العربية.
تنظيم السلطات المصرية لهذه الفعاليات السياسية والبرلمانية والشعبية، يذكّر، للأسف، بالسياسة الصارمة التي اتبعتها السلطات ضد أي تحركات شعبية سابقة مناصرة لأهالي غزة في محنتهم، بل وبتعرض الكثيرون منهم للاعتقال والمتابعة لمجرد التظاهر أو رفع العلم الفلسطيني، بشكل يظهر ما يحصل حاليا من تحشيد كأداة آنية لدعم الموقف الرسمي فحسب، ينتهي بعد الاستخدام.
ما يهمّ، في النهاية، طبعا، أن يكون لهذه الفعاليات الرسمية ـ الشعبية، بغض النظر عن الطريقة التي نظمت بها، الأثر المرجو من إظهار صلابة الموقف المصري ضد التطهير العرقي للفلسطينيين، والمساعدة في وقف الضغوط الأمريكية ـ الإسرائيلية على القاهرة.
إضافة إلى الخطر الشديد الذي يمثله التطهير العرقي للغزاويين على القضية الفلسطينية بأكملها، عبر نقلها من مرحلة الإبادة وجرائم الحرب والاحتلال المباشر للقطاع إلى مبادرة «الحل النهائي» للتخلص من الفلسطينيين، واجتثاثهم من جذورهم وأرضهم وثقافتهم، بشكل كامل.
كما يمثل احتمال التهجير القسري للغزاويين خطرا فعليا متعدد الجوانب على مصر، فإلى كون هذا التهجير سيلغي عمليا مفاعيل اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وينقل مسؤولية الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي إلى مصر، المنهكة والمفقرة، والتي تعاني أشكالا من الأعطاب الاستراتيجية سياسيا واقتصاديا، فإن السلطات المصرية ستفقد معنى وجود جيش لها، وكونها أكبر دولة عربية، وستكون غير قادرة على تبرير هذا الانتهاك الهائل لسيادتها.
التحشيد الرسمي ـ الشعبي المصري خطوة مهمة كثيرا، لكنها قد تكون اللحظة المناسبة للقيادة المصرية للقيام بمراجعات كبيرة للسياسات المتبعة مع إسرائيل، وربما أيضا مراجعة العلاقة الميكانيكية بين القيادة والشعب، وقضايا أخرى مثل مصادرة السياسة والأحزاب.