السُنّة في لبنان… بين اتهام التبعية وحقيقة الاحتكار الطائفي للدولة

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

السُنّة في لبنان… بين اتهام التبعية وحقيقة الاحتكار الطائفي للدولة

في زمن الانهيارات الوطنية الكبرى، يصبح من السهل أن يُحمّل الضحية مسؤولية الجريمة. ويبدو أن الطائفة السنية في لبنان باتت المتهم الجاهز في كل أزمة بنيوية تعصف بالبلد.

تارة تُتّهم بالتبعية، وتارة بالضياع، وتارة بالفراغ… لكن لا أحد يجرؤ على طرح السؤال الأخطر: من يريد تهميش السُنّة؟ ولماذا؟

منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يُستهدف الاعتدال السني بشكل منهجي ومدروس.

تدمير سياسي، شيطنة إعلامية، تخوين مستمر، وتفكيك للمؤسسات التي كانت تشكل امتدادًا طبيعيًا لخيارات الدولة.

الهدف؟ ليس فقط إسقاط الزعامة، بل إخراج الطائفة السنية من المعادلة السيادية اللبنانية، لتحل مكانها قوى الأمر الواقع.

• هل باتت الوطنية تُقاس بالحضور المسلح؟

هل أصبح الدفاع عن الدولة جرمًا؟

وهل الاعتدال أصبح تهمة، والممانعة هي معيار الشرف والانتماء؟

السُنّة في لبنان لم يحملوا السلاح ضد دولتهم.

لم يقيموا دويلة، ولم يستدعوا حربًا، ولم يُدخلوا سفنًا ليلية، ولا صفقات ظل.

هم الطائفة الوحيدة التي بقيت ملتصقة بمشروع الدولة، حتى حين خذلتها الدولة نفسها.

• نواف سلام… مرآة الاعتدال لا مرآة التبعية

اليوم، يُتهم رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام – القاضي، المثقف، الرجل السيادي – بالتبعية!

فقط لأنه لا يساوم، ولا يهادن، ولا ينتمي إلى نادي "المحاصصين".

نواف سلام لا يتبع… بل يرفض أن يتبع.

وهذه جريمته في نظر من تعوّدوا على تسويات الغرف المغلقة وحسابات السلاح.

• من يملك القرار في لبنان… السُنّة أم من يختطف الدولة؟

دعونا نكن واقعيين:

منذ سنوات، القرار في لبنان ليس في يد الطائفة السنية.

من يقرر مصير الحدود؟ ليس السنة.

من يقرر الحرب والسلم؟ ليس السنة.

من يتحدث باسم لبنان في الملفات الكبرى؟ ليس السنة.

ورغم ذلك، يُرمى على السنة تهمة التبعية، وكأنهم هم من صاغوا التحالفات الدولية وخرقوا القرار 1701 وتجاوزوا منطق الدولة.

• المعركة ليست طائفية… بل على هوية لبنان

هذه ليست معركة سنّة وشيعة، ولا سنّة ودروز، ولا أكثريات وأقليات.

إنها معركة على هوية لبنان:

هل نريد دولة مؤسسات أم دويلات أمنية؟

هل نريد خطابًا سياديًا عقلانيًا أم شعبوية مسلّحة؟

هل نريد اعتدالًا فاعلًا أم تطرفًا فاشلًا؟

السُنّة لم يغيبوا عن الدولة، بل الدولة غابت عنهم.

ولأنهم لم يشاركوا في تقاسم غنائمها، اتُّهموا بالفراغ.

ولأنهم لم يرفعوا السلاح، اتُّهموا بالضعف.

ولأنهم لم يبايعوا أحدًا، اتُّهموا بالتبعية.

• الحقيقة التي لا تُقال:

السُنّة اليوم، وسط كل هذا الركام، هم الورقة السيادية الأخيرة.

وحين يسقط الاعتدال، لا يبقى في البلد سوى الفوضى، والتقسيم، واليأس.

من يتهم السُنّة اليوم، ليس لأنه يجهل دورهم، بل لأنه يخاف استقلالهم.

لأنهم – بعكس كثيرين – لا يطلبون حماية من خارج، ولا تفويضًا من ميليشيا، ولا ضوءًا أخضر من سفارة.

هم لبنانيون… فقط لبنانيون.

ولذلك تُشنّ عليهم الحرب.