“بالنسبة لبكرا شو؟” زياد لن يكون هناك

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

“بالنسبة لبكرا شو؟” زياد لن يكون هناك

ها هو “زياد” يترجّل أخيرًا عن مسرحه الكبير… ذلك المسرح الذي لم يكن خشبةً فقط، بل كان وطنًا بديلًا، ومنفى دائمًا، ومساحة للحلم والغضب. رحل من قال يومًا: “السياسة بلا فن كذبة، والفن بلا موقف تزوير.” رحل من حوّل “الفن الملتزم” من شعار مهترئ إلى سكين حادّ، يقطّع القبح بسخرية، ويشرّح الواقع بموسيقى.

في زمن يغيب فيه الكبار بصمت، غاب زياد، لكنّه لم يسكت. فـ”بالنسبة لبكرا شو؟” صار السؤال الأثقل، ونحن بلا صوته. كان يسأل، يضحك، يشتم، يعزف، ويتهكّم على كل شيء… من “الكرنتينا” إلى “فيلم أميركي طويل”، ومن “نزل السرور” إلى “بالنسبة لبكرا شو؟”، كان يصنع مسرحًا يشبهنا، أو ما كنّا نظن أننا كنّاه.

في حضرة غيابه، يُصبح “إلّا إذا” أمنية، و”أنا مش كافر” صرخة كل المهمّشين. كان زياد من القلّة الذين أحبّوا الناس عن وعي، واحتقروا الطغاة عن قناعة. قالها مرارًا: “اللي بدو يشتغل سياسة وما بدو يزعل الناس، يروح يبيع بوزة.” فاختار أن “يزعل”، وأن يفتح جراحنا ليراها الجميع.

لم يكن نبيًّا، لكنه رأى ما لم نجرؤ على رؤيته. “هيدا مش بلد، هيدا نص البلد التاني!”، قالها ضاحكًا، وتركنا نتساءل: من بقي من “البلد”؟ من بقي من الذين يشبهون زياد في جنونه، وانحيازه للفقراء، وصوته المخنوق دائمًا بموسيقى من طراز آخر؟

أين “عودة الأبطال”؟ وهل من “تحية كاريوكا” أخيرة على مسرحنا المتهالك؟ لم يكن زياد يحب البطولات، بل التفاصيل الصغيرة، الشوارع الخلفية، “بما إنو الوضع هيك”، والناس الذين يتنقّلون بين “شي فاشل” وآخر، دون أن يفقدوا ضحكتهم الساخرة.

اليوم، بيروت حزينة. تشبه إحدى أغانيه التي لم تكتب بعد. مقاهيها تفتقد الساخر الذي كتب لها أجمل موسيقاها، وأقسى جملها. فقدنا من قال: “الفن الحقيقي مش إعلان، ولا نشيد وطني، ولا شعار. الفن الحقيقي هو المرآة يلي بتكسّر وجّ العالم.”

في رثاء زياد، لا مجال للبلاغة ولا للدموع المجانية. فقط الصمت، وبعض الموسيقى… ومقاطع من مسرحيّاته التي سنُعيد سماعها لا لنضحك، بل لنحاول أن نتذكّر ماذا كنّا نملك، وماذا خسرنا.

رحل زياد الرحباني، وبقيت أعماله لتقول ما لم نقله. بقي “هيدا حكي”، و”بما إنو الوضع هيك”، و”شي فاشل”، و”مش كافر”… وبقي “الحكي” ناقصًا من بعده